logo.png
البينة العلمية.. معجزة العصر
طباعة



د. عبد الله بن عبد العزيز المصلح
إن البينة (المعجزة) القرآنية الموجودة بين أيدينا والباقية بعدنا إلى ما شاء الله تحمل الرسالة الإلهية إلى البشر, كما تحمل الدليل على صدق هذه الرسالة؛ فهي الشاهد والمشهود عليه كما قال تعالى: (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ) (هود:17)،(1) والقرآن معجز بلفظه ومعناه؛ لأنه من عند الله؛ فألفاظه إلهية  وعلومه  في مصدرها إلهية، وكل منها يدل على المصدر الذي جاء منه هذا القرآن؛ وهو بذلك أكبر دليل وشهادة بين أيدينا قال تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ...) (الأنعام:19)، فهو رسالة ومعجزة لمن نزل عليهم ولمن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة.


وقد جعل الله العلم الإلهي الذي تحمله آيات القرآن هو البينة الشاهدة على كون هذا القرآن من عند الله قال تعالي: (لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) (النساء: 166)، أي أنزله وفيه علمه؛ ففي هذه الآية بيان لطبيعة المعجزة العلمية  التي نزلت رداً على إنكار الكافرين  لنبوة محمد  التي تبقى بين يدي الناس, وتتجدد مع كل فتح بشري في آفاق العلوم والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي.

قال الخازن عند تفسير هذه الآية: (لكن الله يشهد لك يا محمد بالنبوة, بواسطة هذا القرآن الذي أنزله عليك).


وقال ابن كثير: (فالله يشهد لك بأنك رسوله الذي أنزل عليه الكتاب, وهو القرآن العظيم.. ولهذا قال: أنزله بعلمه, أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه, من البينات والهدى والفرقان, وما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويأباه, وما فيه من العلم بالغيوب من الماضي والمستقبل).


وقال أبو العباس ابن تيمية: (فإن شهادته بما أنزل إليه هي شهادته بأن الله أنزله منه، وأنه أنزله بعلمه(2))، فما فيه من الخبر, هو خبر عن علم الله, ليس خبراً عمن دونه، وهذا قوله تعالي : (فإن لَّم يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأن لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (هود:14).


وكل آية من كتاب الله تحمل علماً إلهياً, يعرفه البشر عند ارتقائهم بأسباب العلوم والمعارف في الميدان الذي تتحدث عنه الآية القرآنية، والقرآن مليء بالآيات التي تتحدث عن مظاهر الكون, وحديثه عن الكون هو حديث من يعلم أسراره ودقائقه؛ لأنه هو الذي خلقه وأوجده؛ فهو الأعلم بحقائقه ودقائقه، مع أن البشرية كلها في زمن النبي لم تكن تعلم تلك الأسرار، بل كان يغلب على تفكيرها الأسطورة والخرافة؛ لذلك رأينا الجراح الفرنسي العالمي الشهير الدكتور (موريس بوكاي) يتقدم إلى البشرية بأطروحة قال فيها : (لقد قامت الأدلة على أن القرآن الذي نقرأه اليوم, هو نفس القرآن الذي قرأه النبي محمد  على الصحابة, وما دام أن القرآن قد أفاض في الحديث عن الكون وأسراره؛ فإننا نستطيع بهذه الحقيقة أن نعرف منها ما إذا كان القرآن من عند الله, باختبار يعرفه كل عاقل في عصرنا.


فإذا كان القرآن من عند محمد , وهو مملوء بالوصف لمظاهر الكون: الأرض, السماء, الجبال, البحار, الأنهار, الشمس, القمر, النبات، الحيوان, الإنسان, الرياح، الأمطار.. وغير ذلك, فإن حديثه عن هذه المظاهر الكونية سيعكس لنا علم محمد  وثقافته عن المخلوقات وأسرارها, كما يعكس لنا علم مجتمعه وبيئته، وعلوم عصره في ذلك المجال, وهي علوم غلبت عليها السذاجة والخرافة والأسطورة؛ فكان ينبغي أن نجد القرآن عندئذ مملوءاً بالخرافة والأسطورة والخبر الساذج عند حديثه عن الكون وأسراره, كما هو شأن كل الكتب التي دونت في تلك الأزمنة, بما فيها الكتب المقدســـة عند اليهـود والنصارى (التوراة والإنجيل) التي طرأ عليها التحريف، هذا إذا كان القرآن من عند محمد .


أما إذا كان القرآن من عند الله, فسنراه في حديثه عن المخلوقات وأسرارها يسبق مقررات العلوم الحديثة, وسنرى الاكتشافات العلمية تلهث وراءه فتقرر ما فيه من حقائق، وتؤكد ما فيه من مقررات في شتى المجالات).


ولقد قضى الدكتور (موريس بوكاي)(2) لتحقيق هذا الاختبار عشر سنوات يتعلم فيها القرآن واللغة العربية, ويقارن بين القرآن وبين الكشوف العلمية الحديثة, ثم ألف كتاباً عن دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة أسماه: التوراة والإنجيل والقرآن والعلم الحديث أثبت فيه سلامة القرآن من التحريف, ودخول التحريف على التوراة والإنجيل، وأثبت تعارض ما بين أيدينا من نصوص منسوبة إلي التوراة والإنجيل مع العلوم الحديثة.. كما أثبت سبق القرآن لهذه العلوم وكان مما قال:


لقد أثارت هذه الجوانب العلمية التي يختص بها القرآن دهشتي العميقة، فلم أكن في البداية أعتقد قط بإمكان اكتشاف عدد كبير إلى هذا الحد من الدعاوي الخاصة بموضوعات شديدة التنوع، ومطابقة تماماً للمعارف العلمية الحديثة وذلك في نص كتب منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً. لقد أذهلني دقة بعض التفاصيل الخاصة بهذه الظاهرات ولا يمكن أن تدرك إلا في النص الأصلي  لقد أذهلتني مطابقتها للمفاهيم التي نملكها اليوم عن نفس هذه الظاهرات والتي لم يكن ممكناً لأي إنسان في عصر محمد   أن يكون عنها أدنى فكرة … (وعلى حين نكتشف في التوراة أخطاء علمية ضخمة لا نكتشف في القرآن أي خطأ. وقد دفعني ذلك لأن أتساءل: لو أن القرآن كتبه إنساناً، كيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتضح أنه يتفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة؟


ليس هناك أي مجال للشك، فنص القرآن الذي نملك اليوم هو فعلا نفس النص الأول. وليس هناك سبب خاص يدعوا للاعتقاد بأن أحد سكان شبه الجزيرة العربية في العصر الذي كانت تخضع فيه فرنسا للملك داجويير استطاع أن يملك ثقافة علمية تسبق ثقافتنا العلمية فيما يخص بعض الموضوعات بحوالي عشرة قرون!. ومن الثابت فعلا أن في فترة تنزيل القرآن, أي تلك التي تمتد على عشرين عاماً تقريباً قبل وبعد عام الهجرة (622م) كانت المعارف العلمية في مرحلة ركود منذ عدة قرون وأن معظم الأمور العلمية الموحى بها أو المصاغة بشكل بين تماماً في القرآن لم تتلق التأييد إلا في العصر الحديث).


وهكذا أثبت الباحث أن القرآن الكريم وحي من عند الله على وجه القطع واليقين، ثم آمن الرجل ودخل في الإسلام.


الهوامش:
(1)   معنى الآية: أفمن كان على بينة من ربه كمن ليس كذلك, والبينة البرهان الذي يدل على الحق, والمعنى ويتلو البرهان الذي هو البينة شاهد يشهد بصحته من القرآن أو من الله ـ عز وجل ـ والشاهد هو الإعجاز الكائن في القرآن أو المعجزات النبوية. فتح القدير للشوكاني بتصرف وفي الشاهد أقوال أخرى انظرها مجموعة في زاد المسير لابن الجوزي.
(2)   وإلى هذا المعنى ذهب كثير من المفسرين : ابن الجوزي, الزمخشري, أبو حيان, الألوسي, الشوكاني، البيضاوي, والنسفي, والخازن, الجلالان جلال الدين المحلي, وجلال الدين السيوطي.
(3)       موريس بوكاي:. دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة, ص87 ـ 88 بتصرف.

 
https://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/86-Twenty-eighth-issue/806-Scientific-evidence