logo.png
التيامن والتياسر بين استحبابات الدين وسلوك الجسيمات الذرية
طباعة





سعيد حمود اليامي

قال صلى الله عليه وسلم: (
إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله
) رواه مسلم.

كما ورد في الأحاديث الصحيحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفضل جهة اليمين على جهة اليسار في كل شؤونه الحياتية وسبحان الله فقد أثبت علم الفيزياء الحديث أن جهة اليمين واليسار ليسا سواسية فالجسيمات الذرية التي تتكون منها كل ذرة في الكون تفرق بين اليمين واليسار.

أصل المسألة:

لقــد كان مــن المسـلّم به خلال عصـور طــويلة أن المكان الفيزيائي يتمتع بما يسمى التناظر المكاني أو مبدأ انحفاظ التماثل حيث يعني ذلك أن الاتجاه إلى اليمين أو الاتجاه إلى اليسار سيان وأن الاختيار بين اليمين واليسار عندما تكون الظروف متطابقة هي مجرد مسألة إنسانية بحتة دون أن تكون موجودة في الطبيعة.

لتوضيح المسألة سأورد المثال الذي يبينه الشكل ( 1 ):




يمين


يسار
في هذه الصورة نلاحظ سلتين من الفراولة متجاورتين ومتطابقتين تماماً في كل شيء، إحدى السلتين تقع في الجهة اليمنى للقارئ والأخرى تقع على يسار القارئ.



لو طلبت من أي شخص أن يختار إحدى السلتين فإنه سيحتار أيهما يأخذ لأنه لا يوجد أي واحدة منهما تعتبر ذات ميزة تغلب بها على الأخرى، ولكن الإنسان المسلم الذي يتبع سنة المصطفى لن تعتريه هذه الحيرة لأنه إتباعا للسنة النبوية فإنه سيقوم باختيار السلة التي تقع على اليمين، حيث كان الرسول يحب التيـامن ويفضله في جميع أموره وفي الوقت الذي اتبع المسلمون هدي نبيهم وسنته تسليما فلم يشــغلوا أنفســهم بالاختــلاف والتساؤل، أما الملحدون والمنافقون فقد حاولوا التشـكيك في ذلك والتهكم باعتبـاره شيئا لا معني له سبحان الله فقد جــاءت الإجابة قوية حينما تبين بما لا يدع مجالا للشك أن التمييز بين الجهات اليمنى واليسرى هو واحد من الخصائص الطبيعية التي تحكم عالم الجســيمات الذرية والتي بالتالي تتشكل منها كل ذرة في كون الله الفسيح وكل جزيء حتى في أجسام أولئك الذين كانوا يجحدون أو يتهكمون.

لقد أحدث الاكتشاف صدمة كبيرة في أوساط الفيزياء بعدما تم التأكد من أن الجسيمات الذرية تفضل اتجاهات معينة دون غيرها وتميز بين اليمين واليسار ونال مكتشفو هذا المبدأ جائزة نوبل في الفيزياء عام 1957م وهما العالمان الصينيان ( Yang ) و ( Lee ) من جامعة كولومبيا في نيويورك.

نظرية غريبة

إن النظرية العلمية التي قادت إلى هذا الاكتشاف الكبير اقترحت في البداية لتفسير بعض الظواهر الغريبة الناتجة عن تحلل الجسيمات الذرية تحت تأثير ما يسمى بـ ( القوة النووية الضعيفة ) حيث كان يصعب تفسير بعض الانبعاثات الذرية تحت تأثير هذه القــوة من تجـربة لأخرى مما حير العلماء كثيرا وبرزت هذه النظرية كإحدى الحلول لهذا الإشكال ولكنه كان حلا غريبا لم يقتنع به أحد من الفيزيائيين حتى الكبار منهم وعلى رأسهم ( Pauli ) صاحب مبدأ الاستبعاد للإلكترونات الذي قال لهما:

( حسنا، أنتما مازلتما شابين وبإمكانكما أن تتحملا عندما يسخر منكم الجميع ).







شكل رقم ( 2 ) ذرات الكوبالت - 60 أثناء للجسيمات بيتا

قام العالمان بتطوير النظرية رياضيا ثم جرى التحقق من صحتها عمليا في مختبرات جامعة كولومبيا على يد العالمة الصينية أيضا ( Wu ) حيث تم استخدام مادة ( الكوبات -60 ) التي تطلق جسيمات ( بيتا ) وتم تبريد المادة إلى درجة حرارة منخفضة جدا هي ( 0.01 ) من الكالفن حتى يمكن رصد اتجاه مرور جسيمات بيتا أثناء انطلاقها.

بعدما جرى التحقق من اتجاه مرور هذه الجسيمات ثبت أنها فعلا تفضل الاتجاه إلى إحدى الجهتين دون الأخرى برغم تطابق الظروف وكأنما هذه الجسيمات تقرر الجهة التي تحب أن تسلكها ذاتيا وباختيار محض ليس له ما يفسره سوى أن الجسيمات فضلت جهة دون أخرى.

وقد ثبت بعد ذلك في تجارب أخرى أن الجسيمات المضادة تفضل جهة معاكسة لما تفضله الجسيمات الاعتيادية. فمثلا في حال ( الإلكترون ) فإنه يعتبر يميني في سـلوكه بينما ( البوزيترون ) وهو الجسيم المضاد للإلكترون في الشحنة والمطابق له في كل الخصائص الأخرى، هذا الجسيم يعتبر يساري في سلوكه. وأجريت التجربة كذلك عن ظاهرة تفكك ( الميون ) وهو جسيم ذري يتفكك إلى ( الكترون ) و( نيوترينو ) مما جعل النظرية تصبح محققة تماما ويحصل صانعاها على جائزة نوبل في الفيزياء ويصاب الجميع بالذهول فقد ثبت أن الطبيعة تميز بين اليمين واليسار وليسا متطابقين أو أن المسألة عشوائية كما كان يظن من قبل.

هدي الإسلام سبقهم جميعا

إن الإسلام بما فيه من إشارات وتعاليم سواء بالقرآن الكريم أو السنة المطهرة قد سبق لذلك التمييز بين الاتجاهات وبينت أن الشمال ليس كاليمين في مواضع عدة حيث إن كل فئة من الناس تستوجب تصنيفها لاتجاه محدد حسب ما تكنه بداخلها من إيمان أو كفر والعياذ بالله.

قال تعالى: )فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ . إنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ . فَهُوَ فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ . فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍ| ( الحاقة: 19ـ22 ).

وقال تعالى: في نفس السورة: )وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ . يَا لَيْتَهَا كَانَتِ القَاضِيَةَ| ( الحاقة: 25 ـ 27 )

وقال تعالى: )فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا . عُرُبًا أَتْرَابًا . لأَصْحَابِ اليَمِينِ| ( الواقعة: 36 ـ 38 ).

وقال سبحانه: )وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ . فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ . وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ| ( الواقعة: 41 ـ 43 ).

كما أن سنة المصطفى وسيرته شددت على استحباب التيامن للمسلمين وتفضيله حيث إنه مما صح عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يحب التيامن ويقدمه في كل أموره وشؤونه الحياتية وشعائره من صلاة ووضوء وغيرها.

وبين وهو يحبب التيامن إلى المؤمنين الذين يعمر الإيمان قلوبهم أن الشيطان الذي يسكن الكفر والجحود في قلبه يستحب التياسر والميول ناحية استخدام الجهة اليسرى في شؤونه، قال : (
إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله
) رواه مسلم. فكأنما كل مخلوق يميل إلى تفضيل جهة معينة تبعا لما يضمره في داخله.

وسبحان الله فقد كانت نظرية ( Yang ) و ( Lee ) تحمل دلالات كبيرة جدا في هذا السياق، فقد بينت النظرية أن كل جسيم ذري يفضل أن يتجه إلى إحدى الجهتين إما يمينا أو يسارا تبعا لنوع الشحنة التي يحملها.

وجه الإعجاز:

إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قد أشارت إلى التفريق بين جهة اليمين وجهة اليسار حتى عندما تبدو الجهتان متطابقتان في كل شيء وفضلت جهة اليمين على اليسار، وبعد مرور ما يقارب الأربعة عشر قرنا من الزمان يكتشف العالم باستخدام أفضل العقول وأجهزة التجارب عالية التطور أن جهة اليمين وجهة اليسار بالفعل ليستا متطابقتين في العالم الطبيعي بل هما مختلفتان بحيث إن الجسيمات داخل الذرة تفرق بين الجهتين وكل جسيم لديه جهة يحبذها على الأخرى بحسب الشحنة التي يحملها.

إن ذلك كله يدل على أن هذا الدين الحنيف وجميع تعاليمه المطهرة هي من عند خالق الكون الواحد الأحد الذي خلق كل شيء كبيرا كان أو صغيرا وأعطى كل شيء صفاته وسلوكه التي قدرها له منذ بداية الخلق فسبحانه وتعالى عما يشركون.



المراجع:

1 ـ القرآن الكريم.

2 ـ صحيح الإمام مسلم.

3 ـ ميكانيك الكم، محمد نبيل يس وصلاح الدين يس.

4. Gardener Martin: The Ambidextrous Universe

5. Persico Enrico: Fundamentals of Quantum

Mechanics

6. Steven Hawking: A Brief History of Time

7. Parity Non-Conservation in Atomic Phenomena

8. Calder: The Key To The Universe

9. Michio Kaku: Beyond Einstein the Cosmic Quest For the Theory of The Universe





 
https://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/83-Twenty-fifth-issue/860-Right-hand-is-preferred-and-Althiasr-between-Asthbabat-religion-and-behavior-of-atomic-particles