logo.png
الخلق.. بين الحقائق القرآنية والنظريات البشرية
طباعة



 

الخلق.. بين الحقائق القرآنية والنظريات البشرية

 

 


د.عبدالخالق حامد السباعي

 

أستاذ متفرغ بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية ـ الشاطبي ـ جمهورية مصر العربية

ظهرت نظريات تدعي أن الحياة نشأت على الأرض بمحض الصدفة ولعل (دارون) عام 1859م ـ هو أشهر من أعلن ما يسمى بنظرية النشوء والتطور التي يعلن فيها أنه بعد رحلته المشهورة وما سجله من تشابه وتماثل بين الكائنات النباتية وبين الكائنات الحيوانية ـ وبدلاً من أن يدفعه هذا إلى الاستنتاج المباشر بأن من أوجد هذه الكائنات لابد وأن يكون واحداً طالما أن وحدات البناء من الخلايا ومكوناتها الجزيئية من الأحماض النووية تتماثل بدلاً من متابعة الخط المستقيم في الاستنتاج قرر أن يعبر رحلة المتاهة بالزعم بأن الحياة نشأت بمجرد المصادفة البحتة وأن تطور الكائنات من كائنات وحيدة الخلية إلى كائنات مركبة كان أساسه الصراع وأن البقاء للإصلاح وأن الكائنات الأقوى هي التي سادت وتسود باستمرار ـ وفاته أن الكائنات الدقيقة وحتى الفيروسات كانت ومازالت تعيش حولنا وكذا البكتريا والفطريات....الخ.

وأن تلك الكائنات لها دور في هذا التوازن بين الكائنات الحية، كما أن لها دوراً في دورات عناصر الكربون ـ والأكسجين والنيتروجين....الخ، كما أنها لها دورها في الحفاظ على التنوع الحيوي والذي صار هدفاً للإنسانية في حد ذاته أخيراً.

وقد اتخذت تلك المزاعم الفلسفية لنظرية دارون أساساً لفكر سياسي عنصر واستعماري ساد العالم منذ القرن التاسع عشر ومازال حتى الآن يدعو إلى ما يسمى بأن الحياة أساسها الصراع بين البشر والكائنات وأن البقاء فيها للأصلح وهو من وجهة نظرهم الرجل الأبيض واتخذ ذلك شعاراً لتأييد حملات الاستعمار التي زعمت بسيادة الرجل الأبيض على كل الأجناس التي احتلوا أرضها في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ـ كما أثمرت هذه المعتقدات الفلسفية العديد من موجات غلواء العنصرية مثل النازية متمثلة في هتلر والفاشيسيتية ويمثلها بوسوليني ثم في غيرهم كما ظهرت موجات ومخططات الحركة الصهيونية العنصرية والتي تنادي بأن اليهود هم الرعاة الحقيقيين للعالم المكلفون من الله وأن من سواهم ليسوا إلا كائنات كالبقر عليهم أن يعملوا ليأكلوا تحت إمرة الصهاينة!!.

والآن ونحن في مستهل القرن الواحد والعشرين علينا أن نراجع كل تلك النظريات الفرضية التي ثبت عدم سريانها كما أنها أصبحت تتضارب مع حقائق الاكتشافات العلمية الحديثة فليس من المقبول أو المعقول أن عالم ما بعد القرن الواحد والعشرين تظلله نظريات فرضية أساسها الظن ذو القدرة المحدودة على فهم واستيعاب وتفسير حقائق بناء الكون في الماضي والحاضر والمستقبل وحكمة خلق الإنسان على الأرض.

تفنيد نظرية دارون للنشوء والتطور وإثبات عدم سريانها لتضار بها مع الحقائق العلمية الحديثة

من المعروف أن العالم البريطاني  (Charles Darwin 1809-1882) قد كتب نظريته في كتابه أصل الأنواع بعد مشاهداته كضابط في طاقم السفينة Beagle أثناء وبعد رحلتها البحرية في البحار الدافئة وقد عاصره وانضم إليه في نفس الفترة العالم البريطاني الفريد راسيل والاس (1823 ـ 1912).

وحين أعلن دارون نظريته عن التطور كان مازال يجعل قوانين مندل للوراثة والتي أعلنت بعد إعلان نظرية التطور بسنوات قليلة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وظلت مجهولة حتى أعيد تسليط الضوء عليها عام 1950م بعد وفاة جريجور مندل (1822 ـ 1884).

ورغم أن دارون نفسه لم يكن ملحداً بل كان يؤمن بالمسيحية ـ كما أنه يسلم في نظريته بأن الإله الخالق هو الذي وهب الحياة الأولى على الأرض ـ إلا أن مذاهب الفلسفة المادية والإلحادية والتي سادت أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين قد احتضنت نظرية دارون للنشوء والتطور كجزء من معتقداتها المذهبية واتخذتها ذريعة لإنكار وجود الله الخالق ـ وها نحن نجد العالم الفرنسي الملحد Jack Monod  وهو أحد المشتغلين بالبيولوجيا الجزيئية يكتب في الستينات من القرن العشرين أن نظرية النشوء والتطور تفسر نشأة الحياة على الأرض وتطورها تحت تأثير عاملي الصدفة والحاجة Chance and necessity وامتداد لذلك يعتقد البعض أن حدوث الطفرات الوراثية يفسر وسيلة حدوث التطور.

والآن ونحن في مستهل القرن الواحد والعشرين وقد انحسرت المادية الجدلية الملحدة متمثلة في فشل الأنظمة الديكتاتورية الشيوعية ـ فإننا مع العالم في مفترق الطرق ومن واجبنا أن نراجع رصيدنا العلمي من القرن التاسع عشر ـ وسنجد أن كثيراً من النظريات قد رسخت واستقرت كقوانين ثابتة مثل قوانين الجاذبية وقوانين الوراثة وقوانين الديناميكا الحرارية وصور البيولوجيا الجزيئية ولكننا سنجد أن نظرية دارون مازالت مجرد نظرية تستند إلى ثلاثة من الافتراضات الرئيسية والتي سنحاول مناقشتها موضوعياً وعلمياً فيما يلي:

أولاً: الافتراض الأول أن الحياة قد نشأت على الأرض وتطورت مصادفة ودون خالق وهذا الافتراض يتعارض مع القوانين الثابتة والحقائق العلمية الآتية:

1 ـ العلم الحديث يكشف لنا كل يوم أن الكون الذي نعيش فيه نظام بيئي متزن بدرجة متناهية في الدقة وهذا أمر لا يمكن أن يحدث مصادفة ولعل ما اكتشف من دور الكائنات الدقيقة المتخصصة في دورات العناصر وإكساب التربة لخصوبتها ـ وكذا التوازن بين حرارة الجو وما يحتويه من بخار وثاني أكسيد كربون وأخيراً ما تأكد حديثاً من دور غاز الأوزون في طبقات الجو العليا في حماية كافة صور الحياة على الأرض من فتك الأشعة فوق البنفسجية قصيرة الموجة ـ كل ذلك لا يمكن أن يحدث مصادفة بل هو دليل على القصد والتدبير في الخلق والإبداع.

2 ـ القول بأن الخلية الحية وجدت مصادفة وتطورت تلقائياً يتعارض مع قوانين الديناميكا الحرارية في الكيمياء الطبيعية والتي تنص على أن الطاقة لا تفنى ولا تستحدث كما أنها تقطع كذلك باستحالة وجود الماكينة التي تدور تلقائياً إلى ما لا نهاية بدون بذلك شغل أو طاقة. (Perpetual motion is impossible) وهذا يعني أن إتمام أي تفاعل لبناء أي من الجزيئات أو الأنسجة الجديدة يقتضي وجود قوة مدبرة توفر القدرة المطلوبة من الطاقة كماً ونوعاً وكذا فإن عليها أن توفر الظروف المثلى لإتمام التفاعل وتحديد اتجاهه ثم بعد بناء الجزيئات الجامدة تأتي المعجزة في منحها طاقة الحياة من مصدر الحياة التي لا تنضب وسبحان الحي القيوم ـ وهذه قدرة لم يستطع أحد أن ينسبها لنفسه.

3 ـ تتميز الكثير من الجزيئات البيوكيميائية في الخلايا الحية بأن لها تركيباً نوعياً ونشاطاً ضوئياً فإذا كنا دائماً نجد أن الخلايا الحية لا تحوي إلا المشابه اليسارى الدوران (leuvo) وهذا مثال واحد لعديد من صور الاختيارية والنوعية العالمية فهل يتسنى أن يحدث هذا مصادفة؟

4 ـ إن أحدث ما وصل إليه العلم في مجال البيولوجيا الجزيئية والتكنولوجيا الحيوية والهندسية الوراثية ـ تتم فيه التجارب حالياً لنقل صفات وراثية من شريط الجينات من كائن عديد الخلايا إلى بعض البكتيريا بأمل بناء جزيئات جديدة ـ ورغم أن علماء الهندسة الوراثية الذين يحاولون إعادة بناء الأحماض النووية بعد إلحاق أجزاء مأخوذة من جينات أخرى ـ أي أنهم يستعملون جزيئات حية تامة الصنع في عمليات إعادة البناء ـ ومع  ذلك وبرغم أنهم يستخدمون لبنات بناء جاهزة وصلتهم عبر عصور وقرون التاريخ تامة الصنع فهل يمكن أن يكابر الإنسان في أنها قد تكونت مصادفة من غير صانع أو خالق ـ وسبحان الله الخالق البارئ المصور.

فإذا أضفنا إلى ذلك أن إلحاق هذا الجزء من شريط DNA إلى جزيء آخر هو تفاعل كيميائي يحتاج لإتمامه لتوفر الطاقة والظروف المثلى لتنشيط الجزيئات لإتمام التفاعل. وهذا يقطع أيضاً باستحالة حدوث الحياة مصادفة أو تلقائياً ولعل قوانين الطاقة في أحدث صورها والمرتكزة على قوانين أينشتين للنسبية وصور تحول الطاقة وارتباطها مع الكتلة والزمن وسرعة الضوء ـ تؤكد استحالة إتمام التفاعل دون توفر الحد الأدنى من طاقة التنشيط والعوامل والظروف المساعدة بما يحدد اتجاه التفاعل خاصة وأن نفس المواد الفعالة يمكن أن تتجه لأكثر من اتجاه طبقاً للتركيز ونسبة المواد المتفاعلة ونوع ومقدار الطاقة المتوفرة والظروف الملائمة. وكل ذلك يؤكد استحالة العفوية في بناء أو تطوير بناء الجزيئات فضلاً عن الأنسجة والكائنات الحية المكونة من بلايين الذرات والجزيئات والخلايا.

5 ـ بتطبيق قوانين الاحتمال الإحصائي أمكن حساب احتمال تكون جهاز لدغ الثعبان في الحية الرقطاء دون غيرها من الثعابين بتأثير عامل المصادفة، فوجد أن هذا الاحتمال واحد في كل (1×10 23) احتمال أي أنه واحد في كل مائة ألف بليون بليون مصادفة.

6 ـ قام العالم شارلز ايجين جاى بحساب احتمال التكون بعامل المصادفة لجزئ بروتين واحد فوجد أن هذا يمكن أن يحدث مرة كلما مرت فترة زمنية لا تقل عن 10 243 من السنوات وهذا يزيد عن بلايين أضعاف عمر الأرض وهذا هو احتمال تكون جزئ واحد فقط من البروتين غير المتخصص.

7 ـ في عام 1962م قاما عالما الكيمياء الحيوية ماكو لم ديكسون، أيدويب بحساب احتمال تكون جزئ البروتين ذاتياً نتيجة مجرد التقاء جزيئات أحماض أمينية في مخلوط منها ـ وقد تبين أن هذا الاحتمال لكي يتحقق يقتضي حجماً من مخلوط  الأحماض الأمينية المعروفة يصل إلى أضعاف حجم الكرة الأرضية بمقدار 10 50 ضعفاً كل ذلك لمجرد تكون جزئ بروتين واحد من النوع العادي غير المتخصص، أما احتمال تكون جزئ بروتين متخصص مثل الهيموجلوبين فإن الحساب قد وصل إلى ضرورة توفر حجم من مخلوط الأحماض الأمينية لا يقل عن 10 512 ضعف حجم الكون كله. فما أروع قدرة الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ الذي منح أجسامنا الحياة والقدرة على أن تبني هذه الجزيئات بدقة بالغة ليلاً نهاراً حتى ونحن نيام وما أروع قدرة الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ.

8 ـ وفي عام 1987م قام العالمان والاس، سيمونس بدراسة احتمال تكون جزئ بروتين متكون من 100 حامض أميني في ترتيب معين ولما كانت الأحماض الأمينية المعروفة 20 حامضاً فإن هناك 20 احتمالاً للحامض في الموضع الأول وهكذا تصبح احتمالات شغل الأحماض المائة في جزئ البروتين = 20 (100) = 1.25×10 (130) أي احتمال في كل 10 (130) احتمال.

وإذا أخذنا في اعتبارنا ملايين الجزيئات في ملايين الخلايا نجد أن الاحتمالات الإحصائية تقطع باستحالة البناء الذاتي بالمصادفة لتكوين جزئ بروتين واحد فضلاً عن الخلايا الحية الكاملة.

وهكذا ثبت بقوانين الاحتمالات فضلاً عن قوانين الطاقة استحالة الافتراض الأول لنظرية التطور وهو أن الحياة نشأت مصادفة وتلقائياً.

ثانياً: الافتراض أن هناك سلماً للتطور:

وتقول نظرية التطور أن السلم قد بدأ بالكائنات وحيدة الخلية وتحت تأثير الظروف البيئية ثم التطور إلى كائنات أكثر قدرة وأكثر تعقيداً بتفوق الأصلح في الصراع من أجل البقاء مع انقراض الأفراد الأقل صلاحية في التنافس والصراع. وهذا الافتراض الثاني تنقضه الحقائق الآتية:

1 ـ رغم مرور ملايين السنين منذ بدأت الحياة على الأرض فمازلنا نرى كائنات دقيقة وحيدة الخلية وعديد من الكائنات التي لم تنقرض رغم أنها ضعيفة بسيطة التركيب ولا أدل على ذلك من أننا نكتشف فيروسات جديدة كل يوم كما نكتشف نفس أنواع البكتريا في حفريات الفراعنة.

2 ـ حين أعلن دارون نظرية التطور كان لا يعلم شيئاً عن قوانين مندل للوراثة ـ وعلم الوراثة ـ وهو علم راسخ الأركان يقطع بأن الكائنات تتوارث صفاتها الوراثية عن طريق الجينات الوراثية للأبوين بغض النظر عن الظروف بينما تصر نظرية التطور على القول إنه يتم تطور صفات الكائنات بتأثير ضغط البيئة والتنافس من أجل البقاء.

3 ـ حاول علماء التطور الاستعانة بالحفريات وهياكل الكائنات المدفونة لمحاولة عمل سلم التطور ولكن رغم الجهود المضنية فمازالت هناك فراغات في السلم لا يتسنى ملؤها كما أن العمر الجيولوجي للأرض وهو حوالي 4 بليون عام وعمر الحياة على الأرض والذي قدر بحوالي 1.5 بليون عام ـ لا يتيح الوقت اللازم للتطور التلقائي ـ فعلماء التطور قد حسبوا أن تطور الحصان من صورته القزمية إلى حجم الحصان الحالي قد احتاج زمناً لا يقل عن 100 مليون سنة ـ  وهذا معناه أن عمر الحياة على الأرض لا تسعف تفسير التطور التلقائي إلى ما يسمى بالكائنات الراقية من النباتات والحيوانات ـ فضلاً عن عدم توفر الوقت اللازم لتفسير تطور الإنسان من الكائنات غير العاقلة.

4 ـ الاهتمام بالحفريات حمل بعض الانتهازيين على تزييف الكثير من الهياكل العظيمة ومن أشهر الأمثلة ما حدث عام 1953م من الإعلان عن أن ما يسمى ببقايا الإنسان الأول (Piltdown) قد تبين أنه بقايا عظام مزيفة تماماً.

5 ـ بعض علماء التطور كانوا يفسرون تميز بعض أجسام الحيوانات بألوان زاهية بأنه تحقيق للانتخاب الجنسي لضمان جذب الذكور، وقد كانت الصدمة كبيرة حين أوضحت الكشوف الحديثة أن عيون الكثير من هذه الحيوانات الملونة لا تميز الألوان.

6 ـ أوضح عالم الفيزيقا البيولوجية الأمريكي Morqwitz عام 1979م أن هناك تحدياً رئيسياً يواجه نظرية دارون للتطور، وهو أن خلايا الكائنات الحية على وجه الأرض تنقسم إلى نوعين:

* الأول يسمى Prokaryotic وهي كائنات وحيدة الخلية خالية من الأغشية والأجسام الخلوية المتخصصة ومن أمثلتها البكتريا والطحالب الخضراء، والزرقاء والميكوبلازم وتكون المادة الوراثية فيها متمثلة في حامض نووي منفرد DNA.

* أما النوع الثاني فيسمى Eukaryotic وتتميز بأن خلاياها مزودة بأجسام متخصصة مثل النواة ـ الميتوكوندريا ـ الليسوسومات ـ والكلوروبلاستيدات... الخ، كما أن المادة الوراثية تنتظم في كروموزومات تحوي العديد من الجينات وهذه بدورها تحوي أحماضاً نووية مع البروتينات المتخصصة ويشمل النوع الثاني مختلف أنواع النباتات والحيوانات وكذا الإنسان والبروتوزوا والخلايا الفطرية ومعظم أنواع الطحالب، ولا يدخل في ذلك الفيروسات لأنها تمثل قسماً ثالثاً متميزاً بذاته وموضع التحدي أنه لا توجد أية صورة وسيطة بين النوعين من الخلايا مما ينفي نظرية التطور من الكائنات البسيطة إلى الكائنات عالية التخصص.

ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن خلايا Prokaryotes البسيطة تقوم بوظائف عالية التخصص وبالغة الأهمية في دورات العناصر على سطح الكون وإكساب التربة خصوبتها وتحلل الكثير من المخلفات العضوية... الخ، وهذا يلفت النظر إلى أن حقيقة الحياة على الأرض هي أن كل مخلوق له وظيفة في إطار من التكامل والاتزان البالغ الدقة والحساسية.

7 ـ أعلن العالم الفرنسي Jack Monod في الستينات أن حدوث الطفرات الوراثية هو أداة تحقيق سلم التطور تحت تأثير المصادفة والحاجة إلا أن البحوث التي أجريت على الدروسوفلا وغيرها قد أثبتت أن التطفل لا ينشئ نوعاً جديداً ولكنها تعطي انتخاباً محدداً لأفراد من نفس النوع بصفات قد تتفاوت ولكن في حدود الوعاء الوراثي المحدد لنفس النوع The same genetic trait.

8 ـ أسس علم التقسيم لا تتفق مع نظرية دارون: علم تقسيم الكائنات Taxonomy بدأ منذ مائة عام قبل دارون بواسطة العالم (Carolus Linnaues 1707-1778)   ، وقد أعلن لينيوس التسمية من اسمين، اسم الجنس متبوعاً باسم النوع والأنواع، تعرف بأنها المجموع ذو الصفات المشتركة التي تتكاثر جنسياً لإعطاء أجيال جديدة مماثلة وسليمة. ولم يستطع دارون أن يوائم بين نظريته في سلم التطور وبين مقتضيات علم التقسيم.

9 ـ فشل نظرية التطور في التنبؤ  بالمستقبل: لقد أعلن عالما الوراثة والاس، وسيمونس 1987م تلك الحقيقة أنه إذا كانت نظرية التطور مبنية على المصادفة ـ وإذا كنا نعلم أيضاً أنه يصعب على الإنسان أن يتنبأ بطريقة قاطعة عن مسار كرة تهبط فوق سطح يحوي أكثر من مئة دبوس وتنتهي بخمس عشرة فتحة ـ إذا كان التنبؤ هنا مستحيلاً ـ فكيف يمكن التنبؤ بمصير أكثر من 35 مليون نوع من الكائنات التي تتعايش حالياً مع بعضها مع الإنسان على ظهر الأرض. وإذا كنا لا نستطيع التنبؤ بالمستقبل ـ فكيف نستطيع أن نقطع بما نسميه سلم التطور عبر ملايين السنين التي سبقتنا، إن مجرد وجود تشابه وتماثل في وحدات البناء للجزيئات الجامدة والحية لهو دليل واضح على وحدة الخالق البارئ المصوِّر سبحانه وتعالى جل شأنه.

10 ـ تعدد الأنواع وتميز الصفات الفردية: يذكر العالم الأميركي Jancey 1975م أن عالمنا يزدحم بالعديد من المخلوقات والتي لا يتيسر تفسير وجودها على أساس نظرية التطور والصراع من أجل البقاء وفي نفس الوقت فإن أفراد كل نوع يتميز بصفات فردية لا تتكرر مثل لون فروة الجسم وزركشة الطيور، فهي خصائص لا تتكرر مما يدل على قدرة الخالق المبدع.

ثالثاً: الافتراض الثالث أن الإنسان من نسل القرود والشمبانزي والغوريلا:

1 ـ عدم التوافق الجنسي بين الإنسان والقرد: ولعل أول دليل على بطلان هذا الافتراض الثالث هو ما ثبت من عدم توافق التكاثر التناسلي بين الإنسان وأنواع القرود والشمبانزى والغوريلا. وهذا معناه في ضوء علم التقسيم أن الإنسان نوع منفرد وراثياً.

2 ـ رأي علماء التشريح: وقد حاول بعض علماء الأجنَّة مجاراة نظرية التطور فزعموا أن جنين الإنسان مزود بفتحات خياشيمية زائدة وأنها تمثل مرحلة تطور الإنسان من الحيوانات المائية مثل الأسماك ـ إلا أنه أخيراً في العام 1959م استطاع العالم راندل شورت Rendle Short الذي قضى حياته في دراسة تشريح جسم الإنسان ـ أن يثبت خطأ هذا التفسير وأثبت أن ما يسمى بفتحات خياشيمية ليست زائدة بل هي عبارة عن ثنيات في الأنسجة لازمة لتثبيت الأوعية الدموية في جنين الإنسان. وقد كان هذا التفنيد قاطعاً حتى إن جوليان هاكسلي في كتابه عن التطور في صورته الجديدة قد اضطر للتسليم بما أثبته عالم التشريح راندل شورت.

3 ـ رأي علماء الأنثربولوجي: نشر فريق علماء الأنثربولوجي المكون من عشرة مختصين بقيادة Tim White الأستاذ في جامعة كاليفورنيا بيركلى عام 1987م ـ نتائج دراساتهم المضنية لفحص 302 من هياكل وعظام الحفريات Fossils لما سُمِّي ببقايا إنسان ما قبل التاريخ الذي يفترض أنه عاش في جنوب شرق أفريقيا منذ أكثر من 1.5 مليون عام والذي يسمَّى Homo habilis والذي كان يعتقد أن له صلة النسب في التطور بين الإنسان الحالي كما نعرفه وبين أجداده المزعومة من القرود أو الغوريلا أو الشمبانزي. وقد أثبتت نتائج دراسة الفريق الأميركي أن ما سمي بإنسان ما قبل التاريخ يختلف تماماً عن الإنسان الحالي لأن العظام قد أثبتت أنه يتحرك على أربع، وأنه ليس منتصب القوام كالإنسان، كما أن طوله أقصر بشكل واضح، كما أن عظام الرأس وتجويف المخ تختلف تماماً عن الإنسان الحقيقي، وقد اختتم فريق علماء الانثربولوجي الأميركي تقريرهم العلمي في عام 1987م بأن هناك فرقاً شاسعاً يعكس فراغاً واضحاً زمنياً وتشريحياً من ناحية التطور بين ما سُمِّي بإنسان ما قبل التاريخ والإنسان الحقيقي، وأنه من المقطوع به أن هناك تغييراً درامياً ضخماً قد حدث نتج عنه ظهور الإنسان على الأرض بحيث يصعب تصور ارتباط الإنسان الحقيقي بما يفترض أنه نشأ من نسلهم ـ حيث إن الإنسان الحالي متميز تماماً ظاهرياً وتشريحياً وسلوكياً وعقلاً وقدرة وملكات عن أي كائن آخر.

4 ـ أصل شعار البقاء للأصلح: التحقيق التاريخي لا يمكن أن يغفل أن دارون في نظريته كان يعكس فكرياً معتقداته الاجتماعية والفلسفية التي اعتنقها كواحد ممن عاصروا وتتلمذوا على الفيلسوف الإنكليزي Herbt Spencer، كما كان كل منهما يدين في فلسفته لفكر الفيلسوف الاقتصادي الإنجليزي Malthus 1766 ـ 1834م وهو من أوائل من تناولوا مشكلة ازدحام وتزايد السكان وتعبير الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصلح فهي تعبيرات من وضع Spencer كتعبير عن فكره في الفلسفة المادية اقتصادياً واجتماعياً،  وإذا كان Spencer يعتقد أن المجتمعات البشرية تتزاحم بشكل مطرد مما يضطرها للتنافس من أجل المستقبل، وأن هذا التنافس في نظره من المحتم أن يتحول إلى صراع، وأن الفوز في صراع البقاء سيكون للإنسان الأقوى والأفضل، وقد عبر عن ذلك بالصراع بين الخير والشر، وضرورة تنحي الشر ـ كما قام بتطبيق فكرة هذا التنافس الذي كان سائداً في وقته بين الرجل الأبيض المتقدم وبين الشعوب الملونة المتخلفة ـ وكان من الطبيعي أن يرى أن الفوز في الصراع لابد وأن يكون للشعوب البيضاء الأوروبية على الملونين المتخلفين لأنهم أفضل وأقوى ـ وهذه هي نفس الفلسفة التي استخدمها الاستعمار البريطاني والأوروبي لتبرير احتلاله وحروبه الاستعمارية وراء البحار. كما كانت هي نفسها الخلفية الفلسفية في فكر ووجدان دارون حين قام برحلته على ظهر السفينة Beagle ـ وكان من الطبيعي أن يحاول تعميم هذه النظرة الفلسفية عن الصراع من أجل البقاء على سائر الكائنات وأن يربط بين ما سجله من ملاحظات عن أوجه الشبه والخلاف بين الكائنات وبين نظرية البقاء للأصلح، فكانت نظريته عن أصل الأنواع والنشوء والتطور، وانضم إليه فيها زميله البريطاني المعاصر Walace في ذلك الحين.

5 ـ الخصائص الفردية المميزة لكل إنسان: أثبتت دراسات البيولوجيا الجزيئية حديثا أن كل إنسان متميز عن الإنسان الآخر في صفات فردية لا تتكرر مثل بصمات أصابع اليدين والقدمين والحامض النووي DNA والذي أصبح أحد وسائل الأدلة الجنائية فضلاً عن تركيب الشعر ومجموعة الدم ونوع أجسام المناعة وبصمة الصوت والرائحة وهي كلها ثوابت لا تتكرر بين بلايين البشر وهذا يقطع بعدم صحة افتراض أن الحياة والتطور كانا بعامل المصادفة ـ بل هي أدلة قاطعة على أن الإنسان من صنع الله الذي خلقه وجعل كل إنسان متميزاً مستقلاً ومسؤولاً وميزه بملكاته وقدراته ليؤدي أمانة عمارة الأرض وإقامة الحضارة الإنسانية.

6 ـ برهان جديد على أن الإنسان من صنع الله: لقد استحدث أخيراً علم جديد هو علم البيولوجيا الاجتماعية Socio Biology ويقود هذا الاتجاه Dr. Eyenge Steiner منذ عام 1969م ـ وهو أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة ييل بأميركا ـ وقد أوضح أن الإنسان ليس وليد سلم التطور، بل إن العلم برهن على أن الإنسان له من المميزات البيولوجية والذهنية والنفسية والروحية والتي تمنحه القدرة على الكلام والتفكير وترتيب الأسباب والاستنتاج المنطقي والمناقشة والتعارف والتعاون وتسخير غيره من الكائنات وصور البيئة لتكوين مجتمعات حضارية، كما أنه يتمتع بملكات الإبداع العلمي والأدبي والفني، كما يتمتع بمشاعر وصور التعبير عنها كما يستطيع التحكم فيها وفي سلوكه وعواطفه على أسس من النبل والأخلاق والمثل العليا، كما ينفر بطبعه عن الشذوذ والسلوك غير الأخلاقي وهذه كلها صفات مميزة للإنسان عن كل الحيوانات والكائنات الأخرى، ولا أثر لها على ما يسمى بسلم التطور مما يقطع بعدم صلة النسب بين الإنسان والحيوان. وفي عام 1977م تبنى علماء جامعة كاليفورنيا هذا العلم الجديد ونشر العالم الأميركي Edward Wilson الأستاذ في جامعة كاليفورنيا كتابه الجديد في هذا المجال، وقد انتهى فيه إلى أن ما نلحظه من تشابه بين الإنسان والحيوان في وحدات التركيب الخلوي والجزيئي رغم التميز القاطع للإنسان ـ هو الدليل الناصع على وحدة الخالق الأعظم.

7 ـ وفي أنفسكم أفلا تبصرون: في مارس 1989م، نشرت مجلة Science الأميركية تقريراً عن مشروع قومي ممول من وزارة الصحة الأميركية بميزانية قدرها ثلاثة بلايين من الدولارات ولفترة زمنية مقدرة مبدئية بخمسة عشر عاماً ـ ويهدف المشروع إلى وضع خريطة توضح مكنون التركيب الجزيئي للحامض النووي في جينات جسم الإنسان والمسئولة عن نقل صفاته الوراثية. وقد ذكر التقرير أن جسم الإنسان يحتوي على مئة تريليون خلية أي 1×10 (14) من الخلايا الحية يحوي كل منها DNA في جينات كروموزومات النواة فيما عدا خلايا الدم الحمراء والتي لا تحتوي نواة منها، ومن عجب أن يتماثل DNA في نفس الفرد من الإنسان في هذه الآلاف من البلايين من الخلايا ولكنها تختلف تماماً عن أي إنسان آخر ومع DNA بعض البروتينات والإنزيمات المتخصصة تكوِّن الجينات التي بدورها تكون الكروموزومات الثابتة العدد في كل نواة تحتوي 46 كروزموزوماً.

ورغم تماثل الكروموزومات في الشكل إلا أنها تتفاوت في وظائفها ودورها في توريث مختلف الصفات، وكل كروموزوم يمكن تمثيله بخيط طوله خمسة أقدام وقطره 5×10 (-10) بوصة هل يمكن أن يحدث كل ذلك مصادفة وتلقائياً؟

ويستطرد التقرير ليوضح أن خلية بكتريا E. Col يحوي جزيء DNA فيها 4.5 مليون وحدة من الأحماض الأمينية المرتبطة بنسق ثابت، بينما في خلية الخميرة نجد أن جزيء DNA فيها يحوي 15 مليون وحدة من الأحماض الأمينية ـ أما جينات الإنسان فتحوى كل منها 3 بليون وحدة ـ وعدد الجينات في الإنسان تبلغ 100.000 مئة ألف من الجينات لكل كروموزوم. ولم يتيسر حتى الآن التعرف على أكثر من 4500 من تلك الجينات ومن بينها أمكن تحديد موقع 1500 جين فقط على الكروموزومات المختلفة ـ أي إننا أمامنا أمد طويل لنفهم مجرد تركيب خلايا الإنسان ورسم خريطة كاملة لها ـ أفليس ذلك أدعى لأهل العلم أن يتواضعوا لقدرة الله الخالق البارئ المصوِّر خاصة بحكم أنهم أكثر الناس معرفة بتلك القدرة الفائقة ـ وصدق الله العظيم حين قال: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون).

وإذا كنا لا نستطيع أن نزعم أن مصنعاً للتكنولوجيا الحيوية قد ظهر مصادفة وبصورة تلقائية في مكان ما وأصبح مستمراً في إنتاجه بدون العقل المدبر أو قوة الطاقة القادرة فكيف لا يهزنا خلق الله في أنفسنا وفيما حولنا وكل ذلك دليل على قدرته وتدبيره وهل يستساغ بعد ذلك أن نركن إلى القول بأن الحياة والإنسان كانا وليدا الصدفة.

8 ـ ماذا قال العلماء عن نظرية التطور: ومعروف أن البرت أينشتين 1879 ـ 1955م هو صاحب قوانين النسبية منذ عام 1905م، وما ارتبط بها من تحديث قوانين الطاقة وميكانيكا الكم الدقيق والطبيعة النووية، وأن تلك القوانين تؤكد على أن صور ومقدار الطاقة في الكون محكومة بقوانين كمية ثابتة يمتنع معها حدوث أي تفاعل تلقائي أو مصادفة، ولذلك فقد كان أينشتين العالم الألماني الذي هاجر إلى الولايات المتحدة هرباً من النازية ـ كان دائماً حريصاً على الإيمان بالأديان والكتب السماوية، وقال: إن تعاليم التوراة والإنجيل هي الملاذ الذي يجب أن يلجأ إليه الإنسان حتى لا يضل طريقه وهدفه في الحياة وحديثاً نجد عالم الكيمياء الأميركي Linus Pauling والأستاذ بجامعة كاليفورنيا بيركلى ـ والحائز على جائزة نوبل عامي 1953م، 1962م نجده طوال حياته بالإضافة إلى جانب منجزاته المعروفة في نطاق الروابط الكيميائية متفانياً في العمل من أجل السلام وتحريم الأسلحة النووية حفاظاً على سعادة الإنسان وحضارته ـ وقد ذكر في احتفال أقامته له الجمعية الكيميائية الأميركية عام 1983م أنه يهتم بالعمل على التقدم المستمر للمعرفة الإنسانية، وأنه يعتبر أن هدف المعرفة يجب أن يكون معرفة الله بعيداً عن أي طواغيت أخرى، وأنه بذلك يمكن أن يتحقق الالتقاء بين العلم والدين لضمان تحقيق عالم أفضل.

أما العالم الأميركي Maxwell فقد ذكر في كتابه (العلم يعود إلى الله) 1970م أن نظرية دارون قد استنفدت أغراضها في زمن إعلانها، حيث كان يسود فكر العصر الفيكتوري في إنجلترا ـ ولما كانت شتى العلوم قد استحدثت فيها الكثير من الإضافات العلمية التي تميزت معالمها تقف عندما كان معروفاً في أوائل القرن التاسع عشر، وقياساً على ذلك فإنه لابد من مراجعة مدى سريان نظرية التطور لأنها قد أصبحت لا تتلاءم مع مستحدثات العلم في القرن العشرين فضلاً عن مطلع القرن الواحد والعشرين.

كما أن عالم الطبيعة البيولوجية الأميركي Morowitz عام 1979م، قد كتب أنه أمرٌ مخزٍ للإنسان أن يسرح بذهنه ليتصور أنه من سلالة قرد عريان غير عاقل. ويضيف أنه لذلك كان طبيعياً أن القس البريطاني Wiberforce حين اشترك في مناظرة عن نظرية دارون للتطور ـ أمام جوليان هكسلي الكاتب والفيلسوف البريطاني الملحد كان طبيعياً أن يستطرد القس في مناقشته فيسأل هاكسلي ـ ترى هل كان عن طريق جده لأمه أم جده لأبيه ما اتصل بنظرية دارون من أن أصله من نسل قرد؟

ويعلق مورفيتز أنه من المؤلم أن يظل الإنسان الذي أقام الحضارة وأضاف العديد من المبتكرات والتكنولوجيا ـ تحت وطأة أنه من سلالة قرد أبله، ويضيف أن الإنسان المادي والذي لم يسعده عالمه المادي في حاجة الآن إلى أن يعود ويقرن عالم الروح بالمادة ليصبح إنساناً غير حيوان.

ولعل هذا اليقين هو ما دعا العالم الأميركي A. Cressy Morrison الرئيس السابق لأكاديمية العلوم بنيويورك وعضو المجلس التنفيذي لمجلس العلوم القومي بالولايات المتحدة إلى إصدار كتابه (الإنسان لا يقف وحده) عام 1944م، وذلك رداً على كتاب جوليان هوكسلي (الإنسان يقوم وحده).

وهكذا فإننا نجد أن نظرية داروين وهي إحدى معالم فكر القرن التاسع عشر أصبحت غير قابلة لأن تستمر أساساً لتدريس علوم الحياة والبيولوجيا الجزيئية ـ وإذا أضفنا إلى ذلك أن تلك النظرية قد استغلتها الاتجاهات الفلسفية الإلحادية والمادية الجدلية خاصة الشيوعية والوجودية... إلخ لدعم معتقداتهم المادية التي تنكر الجانب الروحي والديني وهكذا، فإذا علمنا الآن بأن العالم يراجع تلك النظريات المادية والشيوعية وبعد أن ثبت فشلها في عقر دارها ـ فإن هذا يضيف علينا عبئاً أكبر في ضرورة مراجعة خلفياتنا العلمية والفلسفية حتى لا نتمسك بما قد ثبت بالدليل القاطع بطلانه علمياً.

وقد أسيء استخدام نظرية التطور حتى في مجال الإنتاج الزراعي والتعليم الجامعي في النظام الشيوعي السوفييتي، حيث تسلط عالم الزراعة السوفييتي Trofin D. Lysenko بحكم صلته بـجوزيف ستالين على كافة الكوادر العلمية في الاتحاد السوفييتي، وكان أداة اضطهاد واعتقال وطرد للعديد من علماء الوراثة الروس بسبب أن Lysenko قرر تحريم تدريس الوراثة أو عمل أي أبحاث على أساس قوانين مندل الوراثية، ظناً منه أنه يخدم الشيوعية، ويبعد مظنة الإيمان بالخالق للصفات الموروثة في تربية النباتات، وصمم على أن تحسين أصناف القمح يمكن أن يتم  بمجرد تغيير العوامل البيئية دون انتخاب الصفات الوراثية. وقد استمرت هذه المهزلة في التاريخ المعاصر من عام 1926م حتى عام 1946م، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأ الجمود ينحسر، وكان فشل Lysenko في تحسين إنتاج القمح هو الذي دعا الدولة إلى إتاحة الفرصة أمام فكر علماء الوراثة ليعودوا إلى الظهور ويعود تدريس الوراثة في المدارس والجامعات السوفييتية بعد تحريمه عشرين عاماً.

واليوم ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين، وقد انحسرت موجة الشيوعية والإلحاد، وأصبح العالم كله يراجع فكره، ومعتقداته فعلينا أن نعلن رأينا واضحاً في شأن عدم الاستمرار في تبني نظرية النشوء والتطور حتى يتم تحرير البيولوجيا الجزيئية وكذا أفكارنا من تلك المزاعم التي تصر على أن تفقد الإنسان إنسانيته، وتقطع صلته بخالقه وخالق الكون كله، ولابد لنا أن نعود لكتاب ربنا نستلهم منه الهدى والرشاد.

وهكذا وبعون من الله وباستخدام الفكر المنطقي والعقلاني المتسلسل بالمناقشة العلمية البحتة وعن طريق المنهج العلمي أمكننا ـ بحمد الله ـ تفنيد نظرية دارون للنشوء والتطور وإثبات عدم سريانها في ضوء المستحدث من علوم البيولوجيا الجزيئية وإقرار الحقيقة الخالدة أن الله خالق كل شيء. وتحقق بذلك قول الله سبحانه وتعالى: (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الحَقَّ وَيَهْدِي إلَى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ) (سورة سبأ: 6).

آيات القرآن المعجزة في بيان حكمة خلق الله للسموات والأرض قبل خلق الإنسان:

ويظهر الإعجاز العلمي في القرآن في الآيات الآتية التي تغطي كل هذه المعاني وتتحدى المفكرين بالعلم والعقل والمنطق، وصدق الله إذ يقول في سورة الأحقاف:   (حـم * تَنزِيلُ الكِتَابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّمَوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ) (سورة الأحقاف: 1 ـ 4).

وصدق الله سبحانه وتعالى حين قال وكأنه يرد على هؤلاء المفكرين:

(مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا) (الكهف: 51)

وصدق الله تعالى حين قال مصوراً ومفنداً للنظريات الفرضية المبنية على مجرد الظن وليس العلم القطعي:

(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إلاَّ ظَنًا إنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) (يونس: 36).

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إنَّ في ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى) (سورة طه: 53، 54).

(خَلَقَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى في الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) (سورة لقمان: 10).

(أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) (سورة يس: 71 ـ 73).

(وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ) (سورة النازعات: 30 ـ 32)

آيات القرآن التي تقطع بأن الإنسان من خلق الله سبحانه وتعالى:

(الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآنَ * خَلَقَ الإنسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ * الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ)  (سورة الرحمن: 1 ـ 6).

(لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (سورة التين: 4).

(أَوَلا يَذْكُرُ الإنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا) (سورة مريم: 67)

(وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) (سورة نوح: 14).

(سبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (سورة يس: 36).

(وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) (سورة الأنعام: 98).

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (سورة النساء: 1).

(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) (سورة السجدة: 7 ـ 9)

(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) (سورة طه: 55)


REFERENCES

-Ali, Mohammed, The Prophet Muhammed. Cassell, and Co. Ltd, London, Toronto, Melbourne and Sydney. (1951).

-Andrews, E.H; God, Science and Evolution; Creation-Life Publishers San Diego (1968).

-Annonymous, Morals For Today. The Christian Science Publ. Soc. Boston, Massachussetts, U.S.A. (1977)

-Annonymous, The Power of God. The Christian Science Monitor. The Christian Science Puble. Soc. Boston, Massachussets, U.S.A. (1973)

-Badawi, Jamal. Muhammad in The Bible. The Islamic Teaching Center; P.O. Box 38. Plain field, in 46468. (1980)

-Baum, Rvdy M. Another Look at creationism. C&En. News, July (1984)

-Bermardi, G,; and G. Bermardi, Compositional Constraints and Genome Evolution. J. of Mol, Evolution. 24: 1-11 (1986).

-Elmer-Dewitt, P. Making Babies, Time; Sept. 30 (1991).

Garaudy, Ragaa., Les Mythes Fondateurs de La Polirique Israelienne. Samiszdat, Goroudy (1996).

-Gillespie, J. H. Rates of Molecular Evolution. Ann. Rev. Ecol. Systems (1986).

-Henry Simmons, DNA Topology: Knots No Sailor Ever Knew. National Science Foundation, Mosaic (1) (1981).

-Hjauncey, James, Science Returns To God. Zondervan Publ. Co.,  USA pp. 105 (1975).

-Hoffiman, Micelle. Evolution: Reserachers Find The Organism They Can Really Relate to. Science, Vol. 257, July (1992).

-Maxwell, C. Mervyn, Man What A/God. Pacific Press Publ. Assoc. (1970).

-Megan Tresidder Meaning of life is er, God and Omega physicist Frank J. Tipler, an atheist, says he has found God-and has the mathematical proof, The Guardian, March 18 (1995).

-Moore, Keith L., The Developing Human Clinically Oriented Embryology, With Islamic Additions. Correlation Studies With Quaram and Hadith Abdel Majeed A. Azzaydani Toranto, Canada (1994).

-Ngai, K.L; A.K. Jonscher; G.T. White. On the origin of the Universal dielectric response in condensed matter. Macmillan J. and Ltd. (1979).

-Pace, Erice; S. orangutan Man's Closest Relative? Anthropologists Differ Science Appendex. International Herald Tribune May 31, (1984).

-Richard M. Lemmon. Life's Origin and The Supernatural Chemical and Engineering News (C&En), July 1st (1985)

-Richord A. Nenneman, Einstein's Vision. For A Better World. World Monitor, May (1989).

-Ridley, Mark, Triumph of the embryo? Nature, Vol. 357,22 may (1992).

-Smith, Myron L., J.N. Bruhn; & J.B. Anderson. The fungus Armillaria bulbosa is among the largest and oldest living organisms. Nature Vol. 356, April 1992.

-Atanley, S.M.; Evolution: The Paleo. Biologican View; Science Vol. 208, May (1990)

-The Evidence of God in An Expanding Universe; edited by John Clover Mosana. Published by G.P. Puttman`s Sons, N.Y. (1958).

-Wallace, B. Misinformation, Fittness and Selection The American Naturalist 107 (953) 1-7 (1973).

 
https://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/79-Number-twenty-one/665-Creation