logo.png
همسات وأصوات الخلايا النباتية
طباعة



د. عبد المجيد بلعابد

إن الأصوات لها وظيفة رئيسة في حياة الإنسان والحيوان. ولها أهمية كبرى في التنبيه إلى معرفتها والاستئناس بها، وفي بعض الأحيان التنبؤ بتقلباتها أو التمتع بها والحذر من آثارها السلبية. وأصوات الكائنات الحية كذلك تساهم في التعرف إلى بعضها بعضًا. وتعد الأصوات عند بعض الكائنات الحية وسيلة متطورة تمكّن فصيلة من الفصائل من الالتفاف للبحث عن الغذاء والتوالد والتكاثر.

 

أما عند الإنسان فإن الصوت يعد الطريقة المثالية للاتصال وتبادل الأفكار، لذلك جعل الله اللسان الذي يعد طرفًا أساسيٌّا من جهاز الكلام، والصوت في المرتبة الثانية في أهميته؛ يشير إلى ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) البلد 8ـ10. والصوت عبارة عن ذبذبات أو موجات تصدر بعد طاقة تنجم عن اهتزاز سريع، وهذه الذبذبات أو الموجات تنتقل بطريقة مستمرة مما يعطي الصوت طابعه النهائي. وفي هذا الصدد قمنا بتجارب على خلايا معزولة من فصيلة Acer Pseudoplatanus في وسط اصطناعي مكون من أملاح معدنية وفيتامينات وهرمونات نباتية تساعد على النمو والتطور. ومعروف أن الخلايا الحية سواء كانت نباتية أو حيوانية لها خاصياتها الفيزيولوجية التي تمكن من معرفة حالتها الطبيعية. (الرسم 1 والصورة 1).


 
 
الرسم (1): رسم لخلية نباتية
 الصورة (1): خلية نباتية في طور النمو  Acer pseudoplatanu
 

بواسطة الإلكتروفيزيولوجيا النباتية المتقدمة والدقيقة. وهذا البحث مكننا من معرفة أشياء خفية جدٌّا. هذه الوسيلة العلمية لم تكن لولا النتائج المشجعة للبحوث عند الخلايا الحيوانية. وكان الانتظار من السبعينيات لكي تعطي نتائجها وذلك بواسطة الحصول على خلايا نباتية معزولة الغشاء تجريبيٌّا. ومن هنا قمنا ببحث متطور على هذه الخلايا بجامعة باريس 7 بمختبر كهروفيزيولوجيا الأغشية. إن خلايا Acer Pseudoplatanus في طور ثابت من النمو توجد تحت الشروط التالية ـ 80مل مترسب من المحلول العالق الذي يوجد في حولجات زجاجية من فئة لتر تحتوي على وسط مبذور مثبتة على محرك دوراني (60 دورة) في الدقيقة مع انحناء محوري الدوران ب (45 درجة). الكل وضع في بيت زرع مثبت الحرارة بدرجة (25 درجة) مع ضوء اصطناعي.

 

الصورة (2): بروتوبلاست Acer pseudoplatanus.h

 

 

 

 

 




البروتوبلاست

هي خلايا من نفس الفصيلة منزوعة الجدار تجريبيٌّا. لهذا الغرض تتعرض الخلايا تجريبيٌّا لإنزيمات تدهور الغشاء الخلوي لمدة 16 ساعة سبقته عملية انقباض البروتوبلازما في وسط غني بالسكريات مما ينتج عنه انتزاع الغشاء السيتوبلازمي من الجدار. هذه الحالة ضرورية جدٌّا لعمل أنزيمات تدهور الغشاء الخلوي مما يمكن من الحصول على خلية بدون جدار (الصورة رقم2).

 

 الصورة (3):صورة لدخول إلكترود القياس في بداية دخول الفضاء السيتوبلازمي عند الخلية،  صورة تبين اقتراب لمترود القياس بالخلية


فيما يخص قياس الكُمون الكهربائي والمقاومة الداخلية الخلوية الرسم رقم 2 يبين معدات القياس الذي يعالج الإشارة البيوكهربائية عند الخلايا والبروتوبلاست. هذه المعدات تمكن من تضخيم تسجيل الإشارة الكهربائية التي تقاس بواسطة إلكترود مجهري. (الصورة رقم 3). هذه الإلكترودات المجهرية مكونة من أنبوب زجاجي موسط بخيط شعري مصنوع من لدن (Clark electromedical instrument USA) بادئ ذي بدء معير. الإلكترود المجهري النهائي يتوفر على قطر سنان طرفي يساوي mu0.1 وممتلئ بإلكتروليت مركز ليكون جاهزًا للقياسات البيوكهربائية. مع العلم أن الاتصال الكهربائي مؤمّن بواسطة ميصلة صغيرة مملوءة بنفس الإلكتروليت السالف الذكر.

 

الرسم (2): معدات قياس وتسجيل كمون النباتات وكمياتها

إن مقياس تحويل الإشارة الكهربائية الخلوية إلى صوت قد استخدمت فيه توصيلة الممانعة مع مضخم والكل مراقب بواسطة جهاز كمبيوتر IBM والمجهر متصل بشاشة تلفاز لمعرفة مدة دخول الإلكترود المجهري في الفضاء الداخلي للخلية أو البروتوبلازم.


النتائج

إن وجود بعض المذابات مكّننا من ملاحظة استقطاب زائد عند الخلايا وخاصة عندما تمتص الخلية أيون النيترات أو الكلورور وهذا لاستقطاب الزائد المتغير بتغير امتصاص المذابات (الصورتان رقم 4و5) يمثل الاستقطاب العام للخلايا النباتية ويمثل الحالة الفيزيولوجية التي تكون عليها الخلايا. ويعد أيون النيترات من بين المذابات التي تؤدي إلى استقطاب زائد مما يؤكد فرق الجهد بين داخل الخلية والوسط الخارجي.

 
الصورة (4): رسم دقيق لقياس كمون السيتوبلازم والفجوة في وقت واحد  عند خلية  Acer pseudoplatanus
 الصورة (5): تسجيل بياني من كشاف الذبذبات لكمون السيتوبلازم (أ) والفجوة (ب) في وقت واحد مع استعمال إلكترودين.


هذه المعدات العلمية الدقيقة والمتطورة والتي تتطلب مجهود عدة باحثين في وقت واحد وتحت المجهر مكنت من قياس كمي وكيفي للوسيط الكهربائي عند الخلايا والبروتوبلازما. ولكن كان من الضروري ربط كشاف الذبذبات بمضخم جِدّ دقيق لتحويل إشارة الذبذبات إلى أصوات متزامنة مع الجهد الكهربائي المقاس بكشاف الذبذبات. من هنا (الصورة رقم 6) كلما زدنا من أيونات النيترات عند الخلية سجّلنا استقطابًا زائدًا، وكلما انتشرت كمية زائدة لأيون النيترات داخل الخلية كلما كان الاستقطاب الزائد قويٌّا مما يؤدي إلى ارتفاع همسات الصوت عند الخلية وهو صوت يشبه ذلك الذي يطلقه الحوت في وسطه المائي.  الصورة رقم 7) تبين جواب الخلايا من الأصوات بعد معالجتها بواسطة أيون النيترات.

 
 الصورة (6): تسجيل استقطاب زائد بعد معالجة الخلية بالنترات






 الصورة (7): أوراق نباتات تبين اتجاهاتها على مدار ساعات اليوم
 

ومعلوم أن النيترات بقدر ما هو نافع للخلية النباتية لنموها يكون جِدّ مُضِرّ عندما تكون الكمية المنتشرة بالداخل الخلوي كبيرة مما يجعل الخلية في حالة فيزيولوجية مغايرة ويترتب عنه همسات أصوات أكبر من سابقاتها، من هنا نستحضر قول الله تعالى: (تُسَبّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، سورة الإسراء آية 44.


إذا كان البشر والحيوانات لها أصوات وهمسات تمكّنها من إنجاز عدة وظائف حتى التسبيح بحمد الله ـ فإن النباتات كذلك لا تنفرد عن المخلوقات الأخر. فعندما نقرأ في القرءان الكريم: (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ) (سورة الرحمن، الآية 6) نفهم من خلال ذلك أن هذه المخلوقات يمكنها السجود لله وما الصورة رقم 8 إلا دليل على أن أوراق النباتات والأشجار يمكنها أن تأخذ اتجاهًا معينًا على مدار اليوم. هذه التجارب الدقيقة التعقيد تظهر إعجاز الله في خلقه، وتسبيح النبات فعليّ ولكن الحواس البشرية لا تفقهه ولا يمكنه استقطابه وإدراكه.

 
https://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/77-Nineteenth-issue/784-Whispers-and-voices-plant-cells