الإنسان والحشرات | العدد التاسع عشر
الإنسان والحشرات
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



د. خالد سعيد الغامدي

 يتضمن علم الحشرات الدراسة العلمية لمجموعة الحشرات، لذلك فإنه يشكل إضافة هامة إلى جسم المعلومات الذي يطلق عليه باختصار (العلم). يعتبر الإنسان جزءًا من التاريخ الطبيعي، فهو خلق فريد مكرم يعيش في انسجام وتناغم مع المكونات الأخرى في البيئة التي يحيا فيها.


يحدثنا التاريخ عن مدن كبيرة قديمة ـ منها: (روما، ولندن، ومعظم مدن أوروبا القديمة) ـ كانت مسرحًا لتفشي الأمراض الفتاكة التي تنقلها الحشرات، مما أدى إلى وفاة أعداد كبيرة من سكانها وتسببت في إتلاف المحاصيل الزراعية والمواد المخزونة. وقد عاقب الله سبحانه بني إسرائيل بتسليط الحشرات عليهم فقال تعالى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ ءَايَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِين) سورة الأعراف، آية (133).


ففي تفسير ابن كثير ـ رحمه الله ـ لهذه الآية في المجلد الثاني صفحة (241)؛ أشار إلى الطوفان بأنه كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار، وعن ابن عباس أنه: هو كثرة الموت، وروى ابن جرير حديثاً بسند إلى عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: (الطوفان الموت). وكذا قال عطاء،  وأما الجراد فمعروف مشهور، وهو مأكول لما ثبت في الصحيحين عن أبي يعفور قال: سألت عبدالله بن أبي أوفى عن الجراد فقال: (غزونا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سبع غزوات نأكل الجراد).


 وبعد أن نقض بنو إسرائيل العهد مع موسى ـ عليه السلام ـ بعد أن كُشفَت عنهم كوارث الجراد، أرسل الله تعالى عليهم القمّل وهو السوس، وقد ذكر السيوطي أن القمل المراد به الدباء، أو القُراد، أو القمل المعروف.

ولقد اشتملت كتابات العلماء الأوائل على معلومات عن حياة الحشرات، ومنهم عالم النبات اليوناني ثيوفر استوس Theophrastus الذي عاش في الفترة من287 - 380 قبل الميلاد، وقام بتجهيز كاتلوج Catlog يحتوي على الأمراض التي تصيب النباتات، والآفات الحشرية التي تضر بالمحاصيل.


أما أرسطو الذي عاش في فترة (322 - 384 قبل الميلاد) فيعتبر أبًا لعلم الحيوان Father of zoology  وحيث وضع القواعد الأساسية للدراسة العلمية للحشرات.


وكان ذكيٌّا وفطنًا في تسجيل ملاحظاته عن الظواهر الطبيعية إذ بتطبيقه للاستنتاج والتفكير العقلاني Deductive reasoning (وهي العقلانية في فهم الأشياء من العام الشامل إلى الخاص المحدد) ـ استطاع أن يطّلع ببصيرته على معلومات هــامة تتعلق بوظــائف الحوادث الطبيعية. فمثلاً تيقن أن للحشرات عددًا من مراحل النمو في دورة حياتها، وأنها تتميز بتعدد الأشكال، ولكن لم يفهم العلاقات المترابطة لهذه المراحل التطورية. وقد اعتبر العذارى (الخادرات) المتكيسة (داخل أكياس العذراء) عبارة عن بيض (آتكنز)، 1978 (Atkins).


تلا ذلك أن العلماء الرومانيين بقيادة بليني Pliny في الفترة ما بين (79-23 قبل الميلاد) أصبحوا موسوعات علمية ودوائر معارف حقيقية (True encyclopedists) وقاموا بجمع معلومات غزيرة عن الزراعة، والهندسة، والمعمار، والآفات الحشرية، والمسائل البيطرية. ولقد قام بليني بتكريس الكتاب الحادي عشر من Historia Naturales في سنة 77 بعد الميلاد لعلوم الحشرات.


وعند تقسيم الامبراطورية الرومانية عام 395م ـ أصابت الامبراطورية الرومانية الغربية الفوضى والدمار، مما جعلها تفقد كل تقاليد العلوم القديمة، وانتقلت هذه العلوم إلى أوروبا الغربية. وتمت إدارة المخطوطات والمعلومات التي تم العثور عليها بواسطة مدارس الرهبان والأديرة، مع أن أعمال ثيوفر استوس وأرسطو قد ضاعت كلية.

ولكن لحُسن الحظّ قامت الامبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) بجمع كل المخطوطات القديمة في مكتبات حيث تمت ترجمتها وطباعتها، مما جعلها أساسًا طيبًا لتطور العلوم العربية الإسلامية لمئات السنين بعد تلك المرحلة من الزمان، خاصة خلال القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، وهي عهود ازدهار الحضارة الإسلامية.

وقد (ذكر باعشن 1985م) أن علماء المسلمين قاموا بترجمة علوم الامبراطوريات القديمة (الإغريقية والرومانية) وأجادوا تصنيفها وترتيبها واستغلوها واستثمروها في بناء حضارتهم.


وقد ارتكز ازدهار الحضارة الإسلامية على تعاليم الإسلام التي تحث الإنسان على التأمل والتفكر في خلق الله، ثم لم يكتف علماء المسلمين بترجمة العلوم القديمة فقط، وإنما أضافوا إليها ما أفرزته علومهم الجديدة وابتكاراتهم مستخدمين في ذلك الطريقة العلمية في دراساتهم. ومن بين هؤلاء العلماء الأجلاء ومجالات تخصصاتهم جابر بن حيان (كيمياء النبات)، وابن سينا مؤلف كتاب (القانون) وفيه أساس الطب الحديث، وهو أول من كَتَبَ عن الدورة الدموية، واعتبر النبض معيارًا لصحة القلب كما تحدث عن الاضطرابات النفسية والجهاز البولي.


ويعد العالم الجليل أبوبكر الرازي أبو الطب الإسلامي لأن كتابه (الحاوي) كان مرجعًا لعلماء أوروبا الذين استفادوا منه حتى منتصف القرن الرابع عشر الميلادي.

كما كان لابن النفيس قصب السبق في اكتشاف الدورة الدموية الصغرى (دورة الدم بين القلب والرئة). ويمكن أن يضاف إلى هذه الكوكبة النادرة من علمائنا الأجلاء عبداللطيف البغدادي، وابن البيطار وداود الأنطاكي والأصمعي، وقد أضافوا أبعادًا جديدة وأثروا المعرفة بدراساتهم في علم النبات التطبيقي.


ولم يكن للتقدم العلمي في الغرب أثر يذكر ـ خاصة في العصور الوسطى ـ وقد قامت الكنيسة باستقطاب العباقرة والعقول النيّرة وإبعـادهم عن دراســـة العلوم إلى الدراسات اللاهوتية، وأصبحت دراسة اللاهوت السائدة في الدراسات الإنسانية، والفنون والموسيقى والعلوم الأخرى.

وأثناء تلك الحقبة من الزمان تم توثيق عدد قليـل من المساهمات العلمية الهامة التي تختص بالتاريخ الطبيعي. وكان أكبر عمل تم في العصور الوسطى في العالم الغربي، وعالج موضوع الحشرات بطريقة هامة ما حدث قبل بداية عصر النهضة Rurlium Commodorum & Renaissance (1304- 1309) حيث كتب العالم الإيطالي بيترس كيرسنتى Petrus Crescenti عن كثير من الحشرات الضارة وطرق مكافحتها.


ومنذ أن خلق الله تعالى الإنسان، وظهر على وجه الأرض ـ كانت له مجاهدات وصدامات ومشكلات مع الحشرات، ومن بين تلك الحشرات البراغيث (Fleas) والقمل (Lice).


ثم بدأت حشرات البعوض بوخزه والتغذي عليه بامتصاص دمه، وصار الذباب يضايقه ويزعجه، ويمعن في عناده وإصراره لتقليل راحة الإنسان. وفي تلك الأيام عندما كانت أعداد الإنسـان قليلة، كان الإنسان يكافح الحشــرات بطرق بدائية، وذلك لكي يوفر لنفسه الغذاء الطبيعي من يوم لآخر، ولكنه كان يهرب من مواجهة الحيوانات المفترسة. وفي تلك المراحل بالذات لم تكن الحشرات أو الأمراض التي تنقلها الحشرات أو المُمْرِضات الأخرى التي تنتشر في البيئة تشكل أي خطورة بالنسبة للإنسان ورفاهيته، بل كان العكس تمامًا، فقد كانت هذه الحشرات - ومنها: (الأَرَضَة، والنمل الأبيض، والجراد، ويرقات الخنافس، وأخريات) - تشكل طعامًا سائغًا يسد به رمقه في أوقات ندرة الغذاء أو أثناء صعوبة الحصول عليه.


ومع مرور الزمن بدأ الإنسان يطوّر من حياته البدائية بإحداث تغييرات في بعض عوامل البيئة المحيطة ويكيفها لتكون مناسبة لوجوده وبقائه، واستيعاب الزيادة المتوقعة في نسله. ولهذا صار كل تغيير يحدثه الإنسان لصالحه وبطريقة غير مقصودة ـ تنتفع منه الحشرات، إذ مع مرور الزمن، وبعد أن أصبحت المفترسات القوية الكاسرة كالنمور والفهود أقل وطأة وتهديدًا لحياة الإنسان البدائي، صارت الحشرات مجموعة هامة تشكل تحديًا مستمرٌّا له في تلك المرحل التطورية من عمر الإنسان.

وقد هيأت الزيادة الوافرة في أعداد الإنسان فرصة مواتية لزيادة وانتشار الكثير من الطفيليات الحشرية الخارجية Insects ectoparasitoids كالبراغيث والقمل، وذلك بفضل وجود أعداد كبيرة من العائل Host مما هيأ فرصة نادرة لتكاثر وزيادة هذه المجموعات من الحشرات. وبنفس القدر أصبحت الفرصة مواتية لتكاثر وانتشار الحشرات الناقلة للأمراض. إذ عندما نشأت وتطورت المدن القديمة أصبحت بيئاتها مناسبة لتفشي الأمراض المختلفة، كما حدث في روما الإمبريالية Imperial Rome التي تفشى فيها الطاعون الدُّبلي Bubonic Plague في القرن الثاني بعد الميلاد، ومن ثَم صارت الحشرات عوامل مهددة للإنسان في غذائه وصحته العامة.

وعندما تطور الإنسان وتخطى مرحلة الإنسان الجامع لغذائه ـ بدأ مرحلة انتقاء وخزن غذائه storage لَف َُىُّكمٌمس، وصار هذا الغذاء يتعرض في المخازن للإصابة بالآفات التي لم تكن من قبل واردة أو هامّة في بيئته. ومع الحاجة الملحّة والماسّة لسدّ الفقد والعجز في الغذاء العالمي للإنسان، خاصة في عصرنا الحاضر ـ فإن الحشرات تتلف حاليٌّا ملايين الأطنان من غذاء الإنسان السنوي، ويحدث ذلك مع انتشار وتطور التقانة الحديثة في مكافحة الآفات والحد من ويلاتها.

ومع الزيادة السكانية في أعداد الإنسان التي فاقت وقاربت الحدود القصوى للقدرة الإنتاجية في الوسط الطبيعي في توفير الغذاء بدأ الإنسان في استئناس الحيوانات البرية. وقد أدى تجميع هذه الحيوانات فعلاً إلى الزيادة الواضحة في انتشار الطفيليات الحشرية الخارجية والأمراض التي تصيب هذه الحيوانات، وهذا ما أحبط وأبطل كل مجهوداته في زيادة وتأمين متطلباته الغذائية.


وقد أدت بداية الإنسان لفلاحة الأرض وزراعة المحاصيل ـ إلى تغييرات كبيرة خاصة في مجموعات الحشرات؛ لأن الزراعة الحديثة المتعارف عليها اليوم تتضمن زراعة عائلات نباتية معينة من نوع أو صنف واحد، في مكان واحد أو شاسع.

ومع وفرة هذا الغذاء الهائل في مساحات شاسعة، وفي مكان وزمان واحد ـ أصبح ذلك يمثل دعوة حارّة للحشرات لكي تتغذى وتتكاثر مما يؤدي إلى حدوث وبائيات حشرية  أن أحد الكتاب المصريين القدماء في عهد رمسيس الثاني Rameses حوالي 1400 سنة قبل الميلاد كتب في مواساته ورثائه لأحد الفلاحين قائلاً: (إن الديدان قد أتلفت نصف محصول القمح، وإن فرس البحر قد أتلف ما تبقى منه، بالإضافة إلى أن الحقول تعج بأسراب الفئران، وإن الجراد أيضًا يحط رحاله في الحقول).


ولقد شهدت العصور الحديثة ثورات زراعية خضراء تشمل تطوير وتهجين أصناف نباتية معينة تهدف إلى زيادة الإنتاج.

وتدريجيٌّا أصبحت هذه الأصناف أكثر جذبًا لحشرات بعينها من عائلاتها البرية التقليدية، وهذا ما أدى إلى تكاثر الحشرات والآفات الضارة، وشدة ويلاتها على المحاصيل الزراعية.


ولقد أصبح الموقف أكثر خطورة مع تطوير الإنسان لتقانة النقل الحديث في كل أجزاء المعمورة.

حيث يتم انتقال حشرات معينة بطرق مباشرة وغير مباشرة إلى قارات وأقطار وجزر لم تكن توجد بها أصلاً. إذ ربما تتهيأ لتلك الحشرات ظروف ملائمة لحياتها وتكاثرها أكثر ملاءمة من ظروفها في مواطنها الأصلية.

وقد تتهيأ لها فرصة وجود نباتات غضة ريانة ممتلئة بالعصارة تغتذى عليها. أضف إلى ذلك تحرر هذه الحشرات (التي تم انتقالها) من أعدائها الطبيعيين (Natural enemies) التي تكثر وتنتشر في بيئات الحشرات الأصلية التي انتقلت منها.


إذ كانت هذه الأعداء الطبيعية لا تسمح بتزايد وتكاثر هذه الحشرات وتجاوزها لحدود وأعداد معينة. ومن أمثلة الآفات الحشرية التي استوردت إلى الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً حفّار ساق الذرة الشامية (Hubner) Eurpean corn borer Ostrinia nubilalis التي ظهرت لأول مرة عام 1919 بيكر وآخرون (Baker et al.) والخنفساء اليابانية Popillia Japonica Japanese beetle كلاوسون 1956 (Clausen) وسوس البرسيم Hypera postica (G yllehal) شامبرلين 1924 (Chamberlin) التي دخلت إلى الولايات المتحدة وأصبحت من الآفات الحقيقية الضارة. ومع أن هاتين الحشرتين لا تشكلان أضرارًا حقيقية في مواطنها الأصلية Native origins ولكن ضررهما الاقتصادي السنوي في الولايات المتحدة يقدر بملايين الدولارات. وعلى سبيل المثال أيضًا عندما دخلت إلى المملكة العربية السعودية بعض شتلات النخيل المصابة بالأطوار غير الكاملة لسوسة النخيل الحمراء، بالإضافة إلى حشرات سيليدي الموالح على شتلات الليمون البلدي، إذ يعتبران من الآفات المستوطنة القادمة من منشئها بدول شرق آسيا، وأصبحت بعد ذلك من الآفات الشديدة الضرر بمحاصيل نخيل البلح، وأشجار الليمون البلدي على التوالي.


وتعد أمريكا الشمالية من القارات التي تحدث فيها الآفات الحشرية أضرارًا كبيرة، ويعزى ذلك إلى فلاحة وزراعة محاصيل لم تكن أصلاً في هذه القارة، بالإضافة إلى أن استيراد ودخول آفات (Introduced pests) بطرق مباشرة وغير مباشرة من مناطق أخرى. أضف إلى ذلك أن التقانة والتغييرات الجديدة المبتكرة المستخدمة في زيادة الإنتاجية والرقعة الزراعية ـ تهيئ بيئة أكثر ملاءمة لتكاثر كثير من الحشرات المستوردة والمتوطنة إن الأضرار والخسائر الاقتصادية التي تسببها الحشرات في المحاصيل الزراعية والبستانية والمواد المخزونة ومواد متنوعة أخرى تصل إلى بلايين الدولارات سنويٌّا هذا بالإضافة إلى الأمراض والوفيات التي تحدثها الحشرات سنويٌّا عن طريق الحشرات الناقلة للأمراض، أو الأمراض الثانوية، والعلل المختلفة، والقلق والإزعاج الذي يحدث من جراء لسع وعض وقضم الحشرات، ولذلك تصبح الخسارة ذات أرقام فلكية. فإذا تم استعراض أضرار الحشرات، فإن ذلك يجعلها مجموعة شريرة ومؤذية، ولكن القول والمثل المأثور يقول: (يوجد الخير في كل شيء). فإن هذا القول يجد صدى ووقعًا خاصٌّا في نفوس الكثيرين مع فداحة الأضرار الاقتصادية التي تنجم عن إصابات هذه الحيوانات الصغيرة.


وبالتأكيد يوجد بين هذه الحشرات ما له منافع كثيرة للإنسان وعلى البيئة بصفة عامة، فالنحل ينتج العسل الذي يتميز بقيمة اقتصادية وغذائية عالية، مع قيام النحل بتلقيح كثير من المحاصيل الزراعية والنباتات البرية. إن عملية التلقيح تؤديها شغالات نحل العسل، بالإضافة إلى الفراشات والذباب والخنافس، وبدون الدور الذي تؤديه هذه الحشرات الملقحة (Pollinating insects) لن يستطيع الإنسان الحصول على التفاح، والبرقوق والبقوليات والبسلة والتين.


وهناك أيضًا مجموعة من الحشرات تعد هامة من الناحية الاقتصادية، ونافعة للإنسان، وهي حشود المفترسات والطفيليات التي تفترس وتتطفل على عدد كبير من الحشرات، التي تعد عائلها الرئيس، وتشمل هذه المجموعة النافعة الدبابير المتطفلة (Parasitic wasps)، والذباب المتطفل (Parasitic flies) ودبابير غشائية الأجنحة (Hymenopterous wasps) والخنافس المفترسة، ومنها خنافس أبو العيد (Lady bird beetles). إن الأطوار غير الكاملة (اليرقات) والأطوار الكاملة من هذه الأنواع تقوم بالافتراس والتطفّل على العديد من الحشرات الضارة وفي بعض الحالات يمكن استغلال هذه السلوكيات كطرق فعالة يتم تطبيقها في تقنيات معينة في منهج المكافحة الإحيائية.


إن مجاهدات الإنسان في كبح جماح الآفات الضارة والحد من ويلاتها وأضرارها، وتشــجيعه وحثه لتكاثر وزيادة الأنواع النافعة منها لتساعده في استمرار رفاهيته وسعادته ـ أدى إلى ظهور حقل من حقول العلم يكثر فيه النشاط والحيوية أطلق عليه علم الحشرات التطبيقي (Applied Entomology).
ويقارن هذا المجال في حالات عديدة بمجال دراسة الطب الذي نشأ وتطوّر نتيجة تصدي وصمود الإنسان في وجه التحديات في مقاومة ومعالجة الأمراض والعلل التي تجابهه.


وقد احتوى علم الحشرات التطبيقي في الدول المتقدمة زراعيٌّا وتقنيٌّا كالولايات المتحدة على أُسس مادية ذات كلفة عالية، وارتكز على قواعد ثابتة ومعتبرة، حيث يوجد آلاف من المشتغلين في الأبحاث والتدريس والإرشاد والطرق المتنوعة في مكافحة والحد من أضرار الحشرات. وهناك عدد كبير من الشركات الزراعية (Agri-business companies) وبيوت الخبرة الاستشارية تخصصت في إنتاج المبيدات (Pesticides)، والآلات الزراعية المتنوعة. ويتضح من ذلك أن الفاتورة السنوية لمكافحة الحشرات تصل إلى بلايين الدولارات. وهكذا يصعب تخيل هذا المبلغ الهائل من الدولارات الذي بلغ 25 بليون دولار في عام 1952م. ولكي يسهل فهم ذلك، فإن ما دفعه ـ على سبيل المثال ـ أي مواطن أمريكي في سنة 1952م للحشرات يساوي مئة دولار روس 1965م (Ross).


وهذا يعني لعائلة مكونة من 4 أشخاص ما مجموعه 400 دولار، ولم يتم حساب تكلفة الفــاتورة الســنوية حـاليٌّا ولكن قطعًا أن التكلفة تكون قد تضاعفت كثيرًا.
إن جزءًا من هذا المبلغ استخدم في إنتاج واستخدام المبيدات وآخر استخدم في تعويض خسارة المزارعين عن الأضرار التي لحقت بمحاصيلهم، ولكن الغالبية العظمى من هذا المبلغ يظهر في شكل زيادة تكلفة المواد المنتجة أصلاً من النبات والحيوان والأخشاب والملابس والغذاء. لقد تطور علم الحشرات، وأصبح يشغل جزءًا وحيزًا كبيرًا في علوم الحيوان، إذ برزت أهميته اعتمادًا على التطبيق الحقلي للحقائق العلمية والتقانة المكتشفة.


ذلك لأن الهدف الرئيــس من علم الحشرات التطبيقي هو تقليل أضرار الحشرات، إذ أضحى من الضروري التعرف على معلومات أسـاسية وجوهـــرية على مدى زمني طويل، وبتقنيات مبتكرة عالية الدقة والفعالية، لكي تستخدم كدالة أو كمقياس لأداء فعاليات أنواع المكافحة المستخدمة. لذلك ظهر هناك تفهم واضح وتقدير معتبر للأبحاث الحشرية والتقانة المبتكرة مما حفز وحث الكثيرين على استغلال وفتح مجالات دراسية في اتجاهات عديدة، مع أن بعض هذه المجالات كانت تبدو قليلة القيمة والأهمية. ولكن تدريجيٌّا ومع مرور الزمن اتضحت أهميتها الكبيرة، ولا تعادلها قيمة في مجال مكافحة الآفات والحشرات.