التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب | العدد السابع عشر
التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



عبد الحكيم هاشم 

 إن من عجائب صنع الله تعالى أن فطر في الإنسان (نوازع بشرية) تسمو به إلى تحقيق غرض عظيم من أغراض الحياة الدنيا ألا وهو (التناسل والتكاثر)، وغرس في كيانه (حب الذرية) وجعل البنين من (زينة الحياة الدنيا) لتستمر الحياة ويبقى النوع البشري إلى ما شاء الله تعالى له أن يبقى؛ وبحكمته تعالى أحاط هذا الأمر العظيم بحدود حدها وشرائع حفاظا على (العرض والنسل والنسب) ضمن منظومة إسلامية فريدة هي ما يعرف بالضرورات الخمس التي جاء الإسلام بالحفاظ عليها.


وفي هذا العصر ـ عصر التقدم العلمي الهائل ـ اقتحم العلم أخص خصوصيات الإنسان فأصبح يقدم لأولئك المحرومين من التمتع بـ( زينة الحياة الدنيا) حلاً طبيٌّا ممكنًا يطلق عليه المتخصصون (التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب) وفق الإرادة الإلهية القادرة.

وما إن انتهت المرحلة التجريبية واعترفت المراكز المتخصصة بهذا الأسلوب حتى تنادى فقهاء شرع الله وعلماؤه لدراسة هذه القضية الهامة، ليُجلُوا الحقائق ويصححوا ما قد يطرأ من خطأ، ويضعوا الضوابط الشرعية التي تضبط هذه المسألة قبل وبعد وأثناء القيام بهذا العمل؛ خاصة في أمر شديد الحساسية كهذا.


لذا فقد اجتمع علماء المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة لمناقشة هذا الأمر، وتم ذلك في أربع دورات متفرقات؛ منها ما كان في دورته الثامنة المنعقدة بمقر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة من 28/4/1405هـ حتى 7/5/1405هـ، واستعرضوا طرق التلقيح الاصطناعي وآليته وأساليبه ومشكلاته وما يتعلق بكل ذلك؛ وخلصوا إلى ما يلي:

(إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بعد النظر فيما تجمع لديه من معلومات موثقة مما كتب ونشر في هذا الشأن، وتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها لمعرفة حكم هذه الأساليب المعروضة وما تستلزمه ـ قد انتهى إلى القرار التفصيلي التالي:


أولاً: أحكام عامة:

(أ)       إن انكشاف المرأة على غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي لا يجوز بحال من الأحوال ـ إلا لغرض مشروع يعتبره الشرع مبيحًا لهذا الانكشاف.

(ب)     إن احتياج المرأة إلى العلاج من مرض يؤذيها أو من حالة غير طبيعية في جسمها تسبب لها إزعاجًا؛ يعد ذلك غرضا مشروعًا يبيح لها الانكشاف على غير زوجها لهذا العلاج، وعندئذ يتقيد ذلك الانكشاف بقدر الضرورة.

(ج)      كلما كان انكشاف المرأة على غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي مباحًا لغرض مشروع يجب أن يكون المعالج امرأة مسلمة ـ إن أمكن ذلك ـ وإلا فامرأة غير مسلمة، وإلا فطبيب مسلم ثقة وإلا فغير مسلم، بهذا الترتيب. ولا تجوز الخلوة بين المعالج والمرأة التي يعالجها إلا بحضور زوجها أو امرأة أخرى.


ثانيًا: حكم التلقيح الاصطناعي:

1 ـ      إن حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل وحاجة زوجها إلى الولد تعد غرضًا مشروعًا يبيح معالجتها بالطريق المباحة من طرق التلقيح الاصطناعي.

2 ـ      إن الأسلوب الأول (الذي تؤخذ فيه النطفة الذكرية من رجل متزوج، ثم تحقن في رحم زوجته نفسها؛ في طريقة التلقيح الداخلي) هو أسلوب جائز شرعًا ـ بالشروط العامة الآنفة الذكر ـ وذلك بعد أن تثبت حاجة المرأة إلى هذه العملية لأجل الحمل.

3 ـ      إن الأسلوب الثالث (الذي تؤخذ فيه البذرتان الذكرية والأنثوية من رجل وامرأة زوجين أحدهما للآخر، ويتم تلقيحهما خارجيٌّا في أنبوب اختبار ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة) هو أسلوب مقبول مبدئيٌّا في ذاته بالنظر الشرعي، لكنه غير سليم تمامًا من موجبات الشك فيما يستلزمه ويحيط به من ملابسات فينبغي أن لا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى، وبعد أن تتوافر الشرائط العامة الآنفة الذكر.


4 ـ      وفي حالتي جواز الاثنتين يقرر المجمع: أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدري البذرتين، ويتبع الميراث والحقوق الأخرى ثبوت النسب، فحين يثبت نسب المولود من الرجل والمرأة يثبت الإرث وغيره من الأحكام بين الولد ومن التحق نسبه به.

5 ـ      وأما الأساليب الأخرى من أساليب التلقيح الاصطناعي في الطريقين الداخلي والخارجي مما سبق بيانه ـ فجميعها محرمة في الشرع الإسلامي لا مجال لإباحة شيء منها لأن البذرتين الذكرية والأنثوية فيها ليستا من زوجين، أو لأن المتطوعة بالحمل أجنبية عن الزوجين مصدر البذرتين.

هذا ونظرًا لما في التلقيح الاصطناعي ـ بوجه عام ـ من ملابسات ـ حتى في الصورتين الجائزتين شرعًا ـ ومن احتمال اختلاط النطف أو اللقائح في أوعية الاختبار، ولا سيما إذا كثرت ممارسته وشاعت ـ فإن مجلس المجمع الفقهي ينصح الحريصين على دينهم أن لا يلجأوا إلى ممارسته إلا في حالة الضرورة القصوى، وبمنتهى الاحتياط والحذر من اختلاط النطف أو اللقاح، هذا ما ظهر لمجلس المجمع الفقهي في هذه القضية ذات الحساسية الدينية القوية ـ من قضايا الساعة ـ ويرجو الله أن يكون صوابًا، والله سبحانه أعلم، وهو الهادي إلى سواء السبيل وولي التوفيق.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. والحمد لله رب العالمين.