logo.png
أَفلا يَنظُرُونَ إِلى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
طباعة



أَفلا يَنظُرُونَ إِلى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
لا شك أن المتفحص للقرآن الكريم لاحظ أن العديد من الآيات الكريمة تدعونا إلى التدبر في الكون ومخلوقاته.
يقول ـ سبحانه وتعالى: (وَفِى الأَرْضِ ءَايَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) سورة الذاريات. و(أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ) سورة الأعراف.
ويقول ـ عز وجل: (أَفَلَمْ يَنظُرُوآ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ * وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِىَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ) سورة (ق).
يقول الله ـ سبحانه وتعالى ـ في سورة الغاشية: (أَفَلا يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)، هيا إذن نقوم برحلة في أعماق هذا الحيوان العجيب لننظر إلى حسن تكوينه وما يخفيه من أسرار.
إن تواجد الجمل في بلادنا العربية قد ساهم في إغناء تراثنا وحضارتنا؛ فالجمل يعتبر رمز الاستقلال، والغنى والقوة. كما أن الإنسان العربي استفاد من الإبل في مجالات عدة وعلى مدى عصور طويلة.
فلا يكاد يذكر الجمل إلا وتخطر بالبال صِفَتَا المعاناة والصبر، فهو ذلك المخلوق القادر على العيش والعطاء في خضم الظروف القاسية للصحراء العربية.
وقد تعلق الإنسان العربي بالجمل تعلقًا فريدًا يتجلى في تواجد ما يناهز ستة آلاف مفرد في اللغة العربية لتعيين أصناف الجمال وإبراز كل ما يتعلق بمعيشته وخصائصه الجسدية. والشِّعر العربي يزخر بعدة قصائد، وكانت الناقة مصدر إلهام الشعراء للإشادة والتغزل بمعشوقاتهم.
وفي القرآن الحكيم وردت آيات عدة تتحدث عن الإبل وباقي الأنعام، كما أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أضاف اسم الناقة إلى اسمه: (نَاقَةُ اللَّهِ
) وهذه إضـــافة تشريف وتعظيم ـ كقوله: (بيت الله) أو (عبدالله)، والأمر يتعلق بالناقة في عهد سيدنا صالح ـ عليه السلام ـ والتي كانت سبب هلاك قوم ثمود بعد عقرهم إياها.
لا شك أن الجمل من أعظم آيات الله في خلقه، ويحوي من الإعجاز في الخلق ما جعله مصدر اهتمام وعناية إلاهيتين وصل إلى دعوة الله لنا للنظر والتدبر في هذا الحيوان العجيب فلننظر معًا فيما يخفيه هذا الكائن من أسرار.
ينتمي الجمل إلى عائلة الجمليات أو الإبليات (camelides) والتي تضم فصيلتين هما فصيلة camelus وفصيلة lama. فصيلة camelus تتشكل من نوعين هما camelus dromedarius وهو الجمل ذو السنام الواحد وcamelus bactrians وهو الجمل ذو السنامين، ويسمى كذلك الفالج، ويتـــواجــد هذا الأخير في المناطق الباردة لآسيا الوسطى وصولاً إلى منشوريا في الصين.
في نظرتنا هذه سوف نركز على النوع الأول أي الجمل ذو السنام الواحد نظرًا لوفرة المعلومات بخصوصه وكثرة الدراسات التي عنيت به. يعيش الجمل في المناطق الصحراوية الحارة والشرق الأوسط والأدنى، وقد تم استئناس الجمل منذ 2000 إلى 3000 سنة قبل الميلاد المسيحي، في شبه الجزيرة العربية من مجموعة برية كانت تعيش في الهضاب القاحلة لحضرموت، وقد استغل في بادئ الأمر في عملية الدراس، ولكن سرعان ما ارتبط الجمل بتجارة التوابل المزدهرة آنذاك في شبه الجزيرة العربية، ومجال البحر الأبيض المتوسط. أخذ الجمل في الانتشار في جل المناطق القاحلة وشبه القاحلة لإفريقيا وآسيا حتى وصل إلى القرن الإفريقي، ثم الشرق الأوسط إلى منطقة شمال إفريقيا عبر سيناء، وفي الألفية الأولى من الميلاد المسيحي بلغ الجمل أسبانيا من خلال الانتشار الإسلامي في المنطقة.
دخل الجمل ميدان الحروب حيث استغله العرب في صراعهم ضد الآشوريين، واستعمله الفرس في غزواتهم على القوافل، وشارك الجمل في كتيبة الجنرال بونبارت BOUNAPARTE أثناء دخوله مصر، وكذلك في جيش ملكة بريطانيا أثناء غزوها للهند. لقد برهن الجمل عبر التاريخ أن له أهمية كبرى باستعماله في مجالات عديدة، وأصبح في السنوات الأخيرة محط اهتمام العديد من الاقتصاديين والعلماء الباحثين.
لا شك أن الجمل قد أبان أنه الأصلح في الحِل والترحال في المناطق الصحراوية الجافة، زيادة على إمكانية الاستفادة من لحومه وألبانه؛ فالجمل لا يحتاج إلى الكثير من الغذاء مقارنة مع باقي حيوانات المزرعة، حيث يستطيع قطع مسافة 50 ميلاً يوميٌّا مع تحمل الجوع والعطش لمدة 5 أيام، أما حمل الأحمال فهو يستطيع نقل ما يفوق 500 كيلو غرام والسير بها مسافة 20 ميلاً في اليوم دون طعام أو شراب لمدة ثلاثة أيام متتالية. إن فك لغز هذا الحيوان العجيب يمر حتمًا عبر دراسة الخصائص التشريحية والفيزيولوجية.
الخصائص التشريحية:
يعد الجمل من الحيوانات المجترة على الرغم من وجود اختلافات كبيرة بين الجمل وباقي المجترات، حيث إن المعدة الثالثة (Omasum) تضاءلت وأضحى من الصعب تمييزها، ولعل أهم خاصية في الجهاز الهضمي هي وجود ما يسمى ـ مجازًا ـ الأكياس المائية (في المعدة الأولى (Rumen) وهي عبارة عن انثناءات تضم الملايين من الخلايا الغددية وتعلب دورًا رئيسيٌّا في تفعيل عمل اللعاب وإنتاج قسط وافر من السوائل.
تساعد شفتا الجمل العليا والسفلى على الخصوص على التقاط النباتات الشوكية بطريقة سهلة للغاية. ونظرًا لطول عنق الجمل فإن البلعوم يحتوي على عدد هائل من الغدد التي تعمل على ترطيب الوجبة الغذائية الجافة، وسهولة زحف الأكل داخل باقي مكونات الجهاز الهضمي.
ينفرد الجهاز التنفسي للإبل بوجود جيب أنفي جانبي يعمل على تحصيل نسبة هامة من الماء أثناء التنفس، كما يستطيع أنف الجمل الانغلاق كليٌّا مانعًا بذلك جفاف القصبة الهوائية.
جلد الجمل خلافًا لباقي آكلات العشب قليل المرونة، ولكنه غليظ جدٌّا لحسن الحظ، الشيء الذي يجعله يتحمل لسعات الحشرات وحرارة الرمال الملتهبة. أما الغدد العرقية الجلدية فهي قليلة جدٌّا في أنحاء الجسم، وهذه الندرة تساعد على توفير الماء بمنع التبذير عن طريق التعرق. شكل الوبر الغليظ ولونه يحدان من تسرب الحرارة من جسمه. اللون الفاتح للوبر يعمل على انعكاس أشعة الشمس الحارقة.
أما قدم الجمل فلا يتوفر على حافر ويتكون من نسيج دهني يوفر للجمل خفة ورشاقة في السير بكفاءة متساوية على الأرض الوعرة، والزلقة، وكذا الرمال الناعمة.
الخصائص الفيزيولوجية:
1 . تحمل الحرارة:
يعتبر سنام الجمل مخزنًا للطاقة، ووجوده على الظهر يضمن للجمل التأقلم مع الحرارة. حيث إن تكتل الدهون في السنام يحد من توزعها وانتشارها تحت الجلد ويتم بذلك التخلص من الحرارة في الجلد.
يؤدي نقصان كمية من الماء في أجسام العديد من الحيوانات إلى زيادة لزوجة الدم مما يؤدي إلى ارتفاع الحرارة الداخلية للجسم وأحيانًا إلى الهلاك.
أما الجمل فلزوجة دمه تبقى ثابتة ولو نقص الماء من جسمه مما يسمح لعملية النقل الحراري من أطراف الجسد إلى القلب.
يعتبر الجمل من الحيوانات ذات الدم الحار (حرارة جسمانية مستقرة)، ولكنه يستطيع تغيير درجة حرارة جسمه متأقلمًا بذلك مع الحرارة المحيطة: فعندما تنزل درجة الحرارة الخارجية ليلاً فإن درجة حرارة جسم الجمل تهبط إلى غاية 34 درجة مئوية، ولكن عند القيظ فإن درجة حرارة جسمه تصل إلى 42 درجة مئوية (دون إصابته بحمى)، إن مثل هذا التقلب الحراري يعد مميتًا لأغلبية الثدييات.
إن الشكل الخارجي للجمل وتصرفه يعملان على مقاومة الحر؛ فعندما تكون الرمال حارة جدٌّا يبقى الحيوان واقفًا على أرجله الطويلة عازلاً جسمه عن الحرارة المنبعثة من الأرض، وعند جلوسه فإن وسادة أسفل الصدر ووسائد ركب الأرجل تعزل الجسم عن السطح سامحة بذلك لحركة هوائية تساعد على انتشار الحرارة. وفي خضم الساعات الحارة من النهار يتموقع الجمل تحت أشعة الشمس مباشرة حيث يعمل على تعريض أقل مساحة ممكنة من جسمه لأشعة الشمس الحارقة.
تلعب الغدة الدرقية دورًا هامٌّا في علميات الأيض أو التمثيل الغذائي (Metabolisme).
والارتفاع في درجة الحرارة الخارجية ينشط من هذه العلميات الأيضية وذلك إثر اضطراب الآليات الخاصة باستقرار الحرارة الداخلية. فينتج عن ذلك إنتاج طاقة إضافية. تؤدي في نهاية الأمر إلى الحالة المعروفة بالضربة الحرارية والتي تقود إلى الوفاة أحيانًا. أما الجمل فالارتفاع في درجة حرارة جسمه يعمل على نقص استهلاك الأكسجين فتتباطأ عمليات الأيض في جسمه مما يحد من ارتفاع درجة حرارته.
2. كيف يتحمل الجمل العطش؟
تعد مقاومة الجمل للعطش أهم خاصية عني بها علماء وظائف الأعضاء، فالآليات الخاصة بالحفاظ على النظام المائي (ststut hydrique) تعمل ابتداء من شرب الماء مرورًا باستعماله إلى نهاية عملية الإخراج.
وقد أكد العديد من الأبحاث أن الجمل يستطيع العيش دون ماء لعدة أسابيع متعددة، وعمومًا فإن كمية الماء التي يتناولها الجمل مرتبطة بنوعية الأكل، والحرارة الخارجية المحيطة وحالة الارتواء السابقة. حيث ثبت أن الجمل يكتفي خلال الفصول الباردة بالكمية المائية المتوفرة في الوجبة ويستغني عن الشرب لمدة شهر كامل. أما في الفصل الحار ومع وجبة من الغذاء اليابس فإن الشرب ضروري مرة كل أسبوع.
تموت أغلب الحيوانات عندما ينخفض وزنها من 10 ـ 16% من وزنها في وسط محيط حار، بيد أن الجمل يواصل العيش دون تعرض حياته إلى خطر مع فقدان ثلث وزنه ويسترده مباشرة بعد الارتواء. وعند التعرض لعطش شديد فالجمل يستطيع شرب كمية هائلة من الماء في زمن قياسي. وقد لوحظ أن جملاً شرب كمية 200 لتر في مدة لا تزيد عن ثلاث دقائق، وذلك بعد حرمان من الماء دام 14 يومًا ولم يصب بسوء. كما أن الشرب السريع بعد مدة حرمان مائي تؤدي إلى انفجار الكريات الحمراء في الدم.
3 . خصائص الدم عند الإبل:
تبلغ كمية الدم عند الجمل (volumie) 93 ملليمتر/ كيلو غرام من الوزن الحي، وهذا الرقم يفوق بكثير ما هو عليه عند باقي الحيوانات، ويتميز شكل الكريات الحمراء عند الجمل بكونها بيضاوية الشكل (ovoide) وحجمها قابل للتغير حسب حالة الارتواء، وتتميز بصلابتها الهائلة التي تقاوم الانفجار. يصل عدد الكريات الحمراء 4 ـ 10 ملايين خليةم3. أما النسبة من الدم الكلي فهي 25 ـ 30%، وتطول مدة حياة الكريات الحمراء أثناء فترة العطش حتى لا يكلف الجمل موتها وتجددها.
4 . عملية امتصاص الماء:
تنطلق العملية من الغدد اللعابية التي تنتج 20 لترا/ غدة، وعند العطش الشديد فإن هذا الإنتاج لا يتعدى لترًا واحدًا/ غدة دون أن تتعرض قدرة الجمل على الأكل لخلل ما؛ حيث إن رطوبة الفم تستمر بفعل استرداد الأكل من المعدة أثناء عملية الاجترار.
تعتبر المعدة أكبر خزان للماء عند الحيوانات المجترة، والماء المتوفر في معدة الجمل عالي التركيز من الصوديوم والبيكربونات ومصدره هو الدم، أو بمعنى آخر ماء تم امتصاصه من أسفل الجهاز الهضمي (الأمعاء).
وتنتج عملية الامتصاص روثًا يابسًا جدٌّا، فنسبة المادة الجافة تصل إلى 50% (عند الغنم 15%، البقر 13%) وعند العطش فهذه النسبة تصل إلى 55% بينما هي مستقرة عند الأبقار، إذن فالجمل يضيع خمس مرات أقل من الماء في الروث مقارنة مع الأبقار.
5 . الكلية عضو رئيسي في التوازن المائي:
عند مستوى الكلية يتم إعادة امتصاص أكثر الماء (reabsorption)، وتشكل كمية البول عند الجمل 0.1% من وزن الجمل (2% عند الخروف في نفس الظروف)، وعند التعرض لعطش طويل يتخلص الجمل من بول شديد التركيز وبحجم 4 مرات أقل، كما أن عملية إرجاع الصوديوم إلى الدم تعرف تراجعًا مهمٌّا حيث تصل الكمية المتخلص منها إلى 40%. فآلية إعادة الماء البولي يوفر كمية هائلة من الماء، فالجمل لا يفقد سوى 20 غرامًا ماء/ كيلو غرام من وزنه تحت درجة 42 مئوية، بينما هذه الكمية تصل عند الخروف 40 غرام ماء/ كيلو غرام من وزنه.
6 ـ كيف يتحمل الجمل سوء التغذية؟
الوسط الصحراوي ليس فقط حارٌّا وجافٌّا، ولكن يتميز بضعف المصادر الغذائية وضعف تنوعها الفصلي والسنوي، ولكن الجمل يملك تقنيات للتأقلم مع كل نقص قد يحصل في المكونات الأساسية للغذاء (طاقة، بروتين، أملاح..).
وأثبتت عدة دراسات أن الجمل يتوفر على أعلى طاقة تحويلية للعلف ذي القيمة الغذائية الفقيرة مقارنة مع باقي الحيوانات المستأنسة الأخرى، والسر في ذلك هو بقاء الأكل مدة طويلة في مَعِدَاته.
6 ـ 1 نقص في الطاقة:
تعتبر الدهون الاحتياطية هي الشكل المركز للطاقة عند الثدييات، وفي الوسط الصحراوي تعمل الشحوم المختزنة تحت الجلد على حجز الحرارة ومنع تسربها خارج الجسم. وتتركز معظم الدهون عند الإبل في السنام، وخلال فترة الجوع والنقص في الغذاء فإن الجمل يستهلك هذه الدهون بسهولة، ويمكن أن ينقص وزن السنام من (90 ـ 0
) كيلو غراما. ويؤمّن الخزان الهائل من الطاقة للجمل الصمود والتحمل ولو مؤقتًا على نقص مصادر الطاقة.
فمثلاً عند جمل يزن 750 كيلو غرامًا، يبلغ الخزان الدهني 150 كيلو غرامًا وتعرض 3 كيلو غرامات فقط من الدهون إلى الاستهلاك (catabolisme)، ويمد الجسم بـ 160 ميتاجول من الطاقة المتحركة، وهو ما يعادل حاجيات 8 أيام من العيش لجمل عطشان، أو 3 أيام لناقة في فترة الإدرار.
6 ـ 2 نقص البروتين:
أظهرت دراسة التصرف الغذائي للجمل أن له قدرة على اختيار النباتات الأكثر غنى من حيث الآزوت، ويتيح له شكله الخارجي (عنق طويل) الوصول إلى الأعشاب اليابسة من نوع أكاسيا (Acacia) وفصيلة البقوليات الغنية بالبروتين.
يتحول العشب في الجهاز الهضمي عند المجترات إلى الأمونيا واليوريا (Amoniac) واعتمادًا على هذه المكونات تعمل المكروبات في المعدة (Rumen) على صنع البروتينات. ويقوم الجمل بإرجاع اليوريا في الكلية بكمية وافرة حيث إنه يتخلص فقط من 1% في حالة نقص بروتيني (هذه النسبة تصل إلى 25% عند الخروف) مما يسمح له بمواصلة صنع البروتين.
6 ـ 3 نقص في الأملاح المعدنية:
يعرف الجمل بقدرة كبيرة على استيعاب كمية كبيرة من الملح، وبحساسية لنقص في هذه المادة في الغذاء، وهذا يفسر تفضيله للنباتات من نوع الحلفاء (halophytes
) الغنية بالماء والملح، وللجمل قدرة فائقة على استيعاب الكالسيوم والفوسفور دون أدنى تأثر عند تعرضه للعطش، وتفسير ذلك جاء من دراسة اكتشفت أن تركيز فيتامين د (D) عند الجمل يضاعف 10 ـ 15 مرة ما هو عليه عند باقي المجترات (فيتامين د يلعب دورًا رئيسيٌّا في تركيز الكالسيوم في العظام).
تعتبر مادة النحاس أساسية للجمل حيث إنها تدخل في تركيبة إنزيم يلعب دورًا هامٌّا في حالات الالتهاب (ceruplasmine)، وعند نقص مادة النحاس فإن نسبة هذا الإنزيم في الجسم تبقى مستمرة، وذلك ناتج عن تفريغ الاحتياطي من النحاس المخزن في الكبد. نفس الأمر ينطبق على مادة السيلنيوم (selinium) مما جعل الباحثين يتصورون أن الجمل يستبق الأحداث فيخزن المواد الضرورية لأنشطة الإنزيمات.
7 ـ خصائص حليب النوق:
يتميز حليب النوق بلون ناصع وطعم يميل إلى الملوحة، وتفوق القيمة الغذائية لحليب النوق كلا من الأبقار والماعز، وتتراوح كمية الطاقة في الحليب ما بين 900 ـ 1000 كيلو كالوري/ لتر واحد من الحليب (عند البقر تصل من 700 ـ 750 فقط).
كما أن حليب الناقة يضم مركبات ذات طبيعة بروتينية مثل مضادات التخثر ومضادات التسمم ومضادات الجراثيم؛ لذا فهو لا يتجبن بسرعة، ويكمن الاحتفاظ به طازجًا لمدة طويلة.
يتميز حليب النـــوق باحتـــوائه على نسـبة هائلة من البروتين مقارنة مع حليب البقر ويتشكل الكازيين (caseine) البروتين الرئيسي (70%) والألبيومين (albumin) 3.22% والجلوبيولين (globuline) 1.2%. كما يحتوي الحليب على كمية عالية من الأحماض الدهنية الذائبة (قصيرة التسلسل).
كما يحتـــوي حليب النوق على مجموعة كبيرة من الفيتامينات والأملاح كفيتامين أ، ب، س، A,B,C، يشكل أعلى نسبة مقارنة مع باقي الفيتامينات، وهذا له أهمية بالغة لدى السكان في المناطق الصحراوية. حيث إن الرعاة الذين يعيشون على حليب النوق يتمتعون بالصحة والحيوية، أكثر من ذلك فقد عرف لحليب الناقة عدة خصائص علاجية.
فقد كان اهتمام العرب بحليب الناقة في علاج أمراض مستعصية، حيث عولجت به القرحة، والاضطرابات المعدية، فقر الدم، والربو...
وثبت علميٌّا جدوى استعمال الحليب في علاج أمراض كالسكري، حيث تم اكتشاف بروتين خاص ذي فعالية متشابهة مع عمل الأنسولين (Insuline) حيث توجد 40 وحدة من هذا البروتين في كل لتر من الحليب.
كما تبين أن مضادات الجراثيم الموجودة في الحليب تجعله ذا أهمية في التخلص من عصيات السل، وجراثيم الحمى المالطية (brucelose)
ماذا بعد النظر؟
إن كل ما توصلت إليه الدراسات العلمية بخصوص الجمل خلال السنين الأخيرة قليل من كثير؛ حيث ما زال يخفي العديد من الأسرار التي ربما ستنكشف مع الأيام. ولقد ورد في القرآن الكريم ما يقرب من 360 آية تثير في الإنسان دواعي التأمل والتفكر والتعقل، حتى إن علماء الكلام صاغوا قاعدتهم المشهورة: (إن أول الواجبات الدينية المفروضة على المسلم النظر) أول آية نزلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ) والقراءة هنا ليست فقط قراءة نطق بالكلمات والمفردات والجمل، وإنما أيضًا قراءة تفكر وتبصر وفهم لهذا الكون ومحتوياته، وذلك لغرض اكتشاف ما يكتنفه من أسرار وآيات.
فالخطاب القرآني يعمل أولاً على تحريك فطرة الإنسان لاكتساب المعرفة، وثانيًا على استخدام ما لديه من قدرات (العقل) بغية الوصول إلى الحقيقة: وهي أن وراء هذا الكون العظيم المتناسق خالق بديع مقتدر وهو الله ـ سبحانه وتعالى. إذن الغاية هي معرفة الله بآثار صنعه، واستشعار عظمته وقوته بمشاهدة الإخلاص في عبادته، امتثالاً لقوله ـ عز وجل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) سورة الذاريات.
لذا فقد أشاد الوحي السماوي من القرآن والسنة بالعلم وأهله؛ لأن العارفين العاملين هم أكبر درجة وأرفعها عند الله، وخشيتهم لله لا تعدلها أية خشية؛ باعتبار ما يهديهم إليه علمهم بقول ـ عز من قائل: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَآؤُ) (سورة فاطر).
فالعلم سبيل إلى الإيمان الكامل الصحيح، والذي يقود صاحبه إلى التقوى. فلا عجب أن نجد أن الله قارن بين العبادة وذكر الله من جهة، والتفكير والتدبر من جهة أخرى، مثل قوله ـ سبحانه وتعالى: (إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِى الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النار(ّ سورة آل عمران.
1 -      le dromadaire et son elevage - par D.Richard (1985) - edit EMVT collection (Etude et synthese) CIRAD Montpellier, 162PP
2 -      The camel (par R.T Wilson (1985) Edit longman, londres 223PP
3 -      The desert camel - comparative physiologilcal adaptation par R.YAGIL (1985) Edt kalrger, BAKE 163 PP
4 -      The role of the camel in Africa - A Literature review par R Mukasa - Mugerwa (1979) edit ILCA - CIPEA Adis - Abeba 86PP
5 -      The one humped camel in eastern Africa - par Schwartz et Droli (1992) Edit Wertag - weikersheim 282PP
6 -      The racing camel - par Saltin et rose (1994) edit Acta physiological Scandinavia Stockholm 95 PP
7 -      Guide de lelevage du dromadaire par Dr Bernard FAYE (1997) CARAD EMVT - Montpellier 126PP

8 -      Bovine and ovine middle east and north Africa Magasine n 4,7,10,13,22,24.
 
https://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/74-Number-XVI/829-Do-they-not-look-at-the-camels-,-how-they-are-created