أثر التفسير العلمي في أركان الدعوة | العدد الرابع عشر
أثر التفسير العلمي في أركان الدعوة
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



أثر التفسير العلمي في أركان الدعوة

(2 ـ أثرة على المدعوين)

فايز عبد العزيز إبراهيم

بعد أن بينا للقارئ الكريم في العدد السابق أثر منهج التفسير العلمي للقرآن الكريم على حياة الداعية من الناحية الثقافية والعقائدية والخلقية، ننتقل بالحديث فيما يلي إلى أثر منهج التفسير العلمي للقرآن الكريم على المدعوين إذا هو من أركان الدعوة إلى الله تعالى.

والمدعو جمعه مدعوون، وهم جماعة الناس على تباعد أوطانهم، واختلاف أديانهم، وتباين أجناسهم، الذين يصلهم خطاب الداعية وتوجيهه من قريب أو من بعيد عن طريق المشافهة المباشرة، أو بطريق غير مباشر كاستخدام أجهزة الإعلام المقروءة أو المنظورة أو المسموعة أو غيرها من وسائل الاتصال الحديثة.

والتفسير العلمي للقرآن الكريم الذي هو منهج علمي، وعلم دراية له ضوابطه تشع منه ومضات الإعجاز العلمي الذي هو من ثمرة هذا المنهج له أطيب الأثر في حياة المدعوين من الناس كما كان له أثره في حياة الدعاة إلى الله تعالى كما بينا في العدد السابق.

والمدعوون إما أن يكونوا مسلمين أو غير مسلمين، فإن كانوا من المسلمين فإن الله تعالى قد أمر عباده في كثير من آيات القرآن الكريم، أن ينظروا إلى آثار قدرة الله في الكون لما في ذلك النظر من طيب الأثر في نفوس المسلمين وتمسكهم بعقيدتهم، وثباتهم على الحق. قال تعالى: (
قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الله الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير
). وقال تعالى: (
فانظر إلى آثار رحمت الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير
) وقال تعالى أيضاً: (
إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار
).

وإذا كان للتفسير العلمي للقرآن الكريم أثر في الجوانب الثقافية والعقائدية والسلوكية والخلقية في حياة الداعية الإسلامي. كما بينا سابقاً. فإن هذه الآثار جميعها تنصب على حياة المدعو وفي نفس هذه الجوانب وفيما يلي تفصيل ذلك:

1 ـ أثره على ثقافة المدعو: للتفسير العلمي للقرآن الكريم أثر إيجابي على ثقافة المدعو، كما له أثر على ثقافة الداعية الإسلامي، حيث يزود المدعو بنوعين من الثقافة أيضاً هما (الثقافة الشرعية، والثقافة العلمية) وهما أساسان في استقرار حياة الناس على الأرض، وهيمنة الإنسان على الكون، حيث يستفيد منهما الإنسان في معرفة أسرار الكون وتسخير مفرداته لخدمته حتى يتمكن من عبادة الله تعالى.
قال تعالى: (
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم
).

فمثلاً يستطيع المدعو من المسلمين وغير المسلمين أن يتعرف على خصائص الفضاء، ليتمكن من استغلاله وتسخيره في خدمة البشرية، وذلك من خلال الآيات القرآنية المشتملة على هذه الخصائص في صورة إشارات لفضية تشير إلى هذه الخصائص، كقوله تعالى: (
فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون
) وقوله تعالى: (
ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون
)، حيث بينت الآية الأولى خصائص الضغط الجوي في الفضاء وانعدامه تدريجاً حتى ينعدم في طبقات الجو العليا، ولا يستطيع الإنسان أن يعيش في هذه الظروف الجوية، بل يضيق صدره ويتمزق جيده لانعدام الضغط الجوي، وهذا ما أثبته العلم حديثاً، وكذلك بينت الآية الثانية أن الصعود إلى الفضاء لا يمكن أن يكون في خط مستقيم واحدة، بل خط منحنى متدرج كما أشارت الآية إلى ظلمة الفضاء الكاحلة، وهذا ما ثبت علمياً في القرن العشرين.

فإذا وضع الإنسان هذه الاعتبارات في الحسبان عندما يريد أن يصعد الفضاء فإنه لا شك سوف يستفيد كثيراً من التفسير العلمي لهذه الآيات وغيرها كثافة شرعية وعلمية، يستطيع من خلالها أن يتمكن من استغلال الفضاء في خدمته، وتحقيق مقاصده ـ كما حدث في القرن العشرين ولا يزال ـ ومن هنا يتضح لنا دور التفسير العلمي في الحياة الثقافية للمدعوين مسلمين كانوا أو غير مسلمين.

ينقل المستشار مدحت إبراهيم عن الدكتور عبدالله شحادة قوله بأن الهدف الخاص الأساسي للإشارات العلمية الواردة في القرآن الكريم هو دعوة المسلم إلى بذل الجهد والعمل على التعمق في العلوم الدنيوية ليتحقق له الفهم والقوة اللازمة لإدلاء هيمنته في الكون المتمثلة في عبادة الله تعالى وخلافته في الأرض، فدراسة العلماء والباحثين لطبقات الأرض وصخورها وكنوزها ومحتوياتها، ولطبقات الفضاء والهواء، ومعرفة أسرار الكون ونظامه، امتثالاً لأمر الله وتلبية لرغبة القرآن الكريم في الحث على العلم والمعرفة يحقق لهم منفعة عظيمة في الدنيا والآخرة.

هذا بالإضافة إلى أن لهذه الثقافة المستمدة من التفسير العلمي للقرآن الكريم دور هام في تحصين المدعوين ـ خاصة المسلمين منهم ـ من خطر التشكيك في القرآن الكريم، أو الطعن فيه عن طريق المستشرقين، والمبشرين من القساوسة وغيرهم بواسطة الحملات التبشيرية وغيرها من الحملات التي تطعن في الإسلام وتشكك فيه لكونه غير صالح لحضارة القرن العشرين كما يظنون.

هذا مع العلم أن الحركات التبشيرية تستهدف الطبقة المثقفة من المسلمين، والتفسير العلمي للقرآن الكريم غالباً ما يقي هذه الطبقة بالذات وبحصنها من أفكار هذه الحركات، إذ أن ازدواجية الثقافة الشرعية والعلمية عند المدعو تجعل من الصعب إقناعه بالتنصير، وتعمل على سد الثغرات التي يدخل منها المنصورون ببث عقائد وأفكار تخدم مقاصدهم.

يقول عبدالرزاق ديار بكرلي: ديفيد .أ. فريزر في موضوعه تطبق مقياس اينكل في عملية تنصير (المسلمين) في الصفحة 252 يورد اعترافاً صريحاً بأن أغلب الذين استجابوا للتنصير من المسلمين هم من أصحاب الإسلام الشعبي (أي من العوام)، والمنصرون ـ بلا شك ـ لا يحرصون على هؤلاء العوام حرصهم على استقطاب المثقفين وأصحاب الثقل الاجتماعي في بيئاتهم الإسلامية، إذ إن واحداً من أمثال هؤلاء الآخرين يعدل عندهم آلافاً من هؤلاء السذج. يقول: (إن غالبية المسلمين الذين يحتمل أن يتنصروا هم من الذين يعتقدون ما يطلق عليه الإسلام الشعبي (أو إسلام العامة)، وهم أرواحيون يؤمنون بالأرواح الشريرة والجن ويعرفون القليل جداً من الإسلام الأصيل، كما يؤمن هؤلاء ـ بدرجة كبيرة بالتعاويذ التي يعتقدون أنها تمدهم بالقوة لمواجهة شرور الحياة وتحدياتها).
2 ـ أثره على عقيدة المدعو: ولا شك في أن المدعو المؤمن يزداد إيمانه، وينشرح صدره، وتقوى عزيمته، كلما أدرك شيئاً من التوافق بين آيات القرآن والكشوفات العلمية الحديثة في صفحة هذا الكون، لأن ذلك التوافق إنما هو وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم،وله تأثيره الفعال على ثبات المدعوين من المسلمين على عقيدتهم الصحيحة، بسبب ما يدركون من إعجاز علمي في القرآن الكريم، ولا شك أن التفسير العلمي للقرآن الكريم خير طريق إلى ذلك، بل هو أيضاً وسيلة من وسائل تحصين المسلمين من قبول الطعن في عقيدتهم الصحيحة وثباتهم عليها.

هذا إذا كان المدعوون من المسلمين، أما إذا كانوا من غير المسلمين، فإن للتفسير العلمي للقرآن الكريم دوراً واضحاً في إخراجهم من ظلمات الكفر والإلحاد إلى نور الإسلام وطمأنينة الإيمان. وتطهير قلوبهم من دنس العقائد الزائفة، وذلك لما في هذا المنهج من إيضاح لأوجه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.

يقول الدكتور رسل تشارلز اتست: إنني أعتقد أن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقيد درجة يصعب علينا فهمها وأن ملايين الملايين من الخلايا الحية الموجودة على سطح الأرض تشهد بقدرة الله شهادة تقوم على الفكر والمنطق، ولذلك فإنني أؤمن بوجود الله إيماناً راسخاً. والدعوة بالتفسير العلمي للقرآن الكريم تتطلب من المدعو أن يكون منصفاً عادلاً مجرداً من التحيز وهوى النفس أمام الحقيقة العلمية والتفسير العلمي للقرآن الكريم، وترك ما يعرض عليه من تفسير علمي لا يحاكي فطرته السليمة، وعقله الواعي، وقلبه الفارغ من كل هوى أو ميول إلى مله آبائه.

وفي ذلك يقول الدكتور عبدالجواد الصاوي: ... لذلك فإن المعجزة العلمية في القرآن والسنة تعد أسلوباً جديداً وباباً فريداً للولوج إلى القلوب من خلال القناعات العقلية بالمسلمات العلمية خاصة عند المسلمين الذين يؤمنون بلغة العصر لغة العلم، والعلم فقط.

وقد أثبتت المواقف أن للتفسير العلمي للقرآن الكريم دوراً كبيراً في التأثير على نفوس المدعوين من غير المسلمين، فهو من أهم أسباب هداية الكثير من العلماء وأهل الاختصاص منهم لما فيه من قناعات عقلية باستخدام المسلمات العلمية التي لا يستطيع إنكارها أحد، فهو يضع المدعو منهم أمام ثلاثة أمرين: الأمر الأول: إما أن يسلم للعدل والإنصاف ويلبي نداء الفطرة السليمة بعيداً عن هوى النفس ونعرات الجاهلية، فيؤمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن الكريم معجزة ربانية خالدة، ورسالة الله للناس جميعاً، حسب ما يلمس بنفسه من توافق بين آياته المنزلة على النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في زمن ما كان يعرف الناس فيه شيئاً عن الظواهر الكونية، وبين ما وصل إليه العلم الحديث من حقائق علمية لم تعرفها البشرية من قبل كمراحل خلق الإنسان وخصائص طبقات الجو العليا، وطبقات الأمواج في البحار... إلخ.

الأمر الثاني: أن يكون المدعو موضوعياً يشهد للقرآن الكريم بسياق العلوم الحديثة وأنه لا بد أن يكون وحياً من عند الله ولكنه لا يدخل في الإسلام كعلماء الأجنة مثل البروفيسور يرساد والبروفيسور مارشال جونسون والبروفيسور كيث إل مور والذين يحاضرون على الملأ في إعجاز القرآن والسنة في علم الأجنة.

الأمر الثالث: أن يتمسك المدعو بجاهلية آبائه، ونزوات نفسه، حينما يدرك أن القرآن الكريم يتوافق مع ما صح من العلوم الكونية ولا يتعارض معها، فيتخذ الجدال أو المكابرة وسيلة للهروب ويقرر عدم الإيمان أو الدخول في الإسلام وعدم الإدلاء بشهادة علمية موضوعية.

ولا شك أن التفسير العلمي له أثره على المدعوين من غير المسلمين وفي ذلك يقول الشيخ عبدالمجيد الزنداني ... كما أن أثر الإعجاز العلمي على غير المسلمين بين واضح حيث يشهد لذلك مجموعة من كبار العلماء من غير المسلمين في شتى التخصصات العلمية المختلفة، وهو باب جديد لدخول الإسلام، وقد أسلم من خلاله ـ والحمد لله ـ الكثيرون.

هذا ومن ثمرات الدعوة إلى الله تعالى بمنهج التفسير العلمي للقرآن الكريم. تأثير المدعوين به يقول البروفيسور نيلسون في نهاية حواره مع الشيخ عبدالمجيد الزنداني فيما يتعلق بالطب الوقائي من الطفيليات والكائنات الدقيقة: (وأنا أشكر الشيخ عبدالمجيد الزنداني، وأقول بأنني قد تعلمت الكثير منه في هذه الجلسات التي عقدتها معه كما أقدر جداً تقديمه لوجهات نظر جديدة للقرآن الكريم، والأحاديث لم أكن أعرفها من قبل).

هذا ومن ثمرات الدعوة إلى اله تعالى بمنهج التفسير العلمي للقرآن الكريم، إسلام كبار العلماء مثل البروفيسور تاجاتات تاجاسون، الذي قال على الملأ: (بعد هذه المرحلة الممتعة والمثيرة، فإنني أؤمن أن كل ما ذكر في القرآن الكريم يمكن التدليل على صحته بالوسائل العلمية، وحيث أن محمداً نبي الإسلام كان أمياً، إذن لا بد قد تلقى معلومات عن طريق وحي من خالق عليم بكل شيء، وإنني أعتقد أنه حان الوقت لأن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).

وخلاصة القول: أن للتفسير العلمي للقرآن الكريم دوراً هاماً في هداية المؤمنين وثباتهم على الحق، ودعوة غير المسلمين إلى الإسلام، ولا يستطيع أحد أن ينكر هذه الحقيقة الملموسة.

3 ـ أثره على أخلاق وسلوك المدعو، بيناً سابقاً أن هناك علاقة مباشرة بين العقيدة والأخلاق وبالتالي سلوك الإنسان، وقلنا بأنه على قدر الإيمان ضعفاً أو قوة يكون الخلق والسلوك، وبما أن التفسير العلمي للقرآن الكريم غالباً ما يكون له تأثير طيب على عقيدة المؤمن وغير المؤمن، فإنه بالطبع يكون له تأثير إيجابي على الأخلاق والسلوك، وهذا الأمر يلاحظ عند المسلمين العصاة حيث تأثر الكثيرون منهم من خلال هذا الباب والتزموا أداء الواجبات وانتهوا عن المعاصي والآثام. كما يلاحظ أيضاً عند المسلمين، حينما يدخلون في الإسلام متأثرين بما وجدوه في التفسير العلمي للقرآن الكريم من دلائل على وجود الله تعالى، فإنه يتحتم عليهم بعد إسلامهم أن يتخلوا عن الرذائل، ويتحلوا بتعاليم الدين الحنيف بما فيه من أخلاق سامية وسلوك حسن، ومن هنا يبدو لنا أثر التفسير العلمي في الأخلاق والسلوك.

وخلاصة القول: إن للتفسير العلمي للقرآن الكريم آثاراً إيجابية على النواحي الثقافية والعقائدية والأخلاقية في حياة الداعية الإسلامي، وهذا أمر ملحوظ في حياة الدعاة الذين اتخذوا منهج التفسير العلمي وسيلة في دعوتهم ـ كما بينا سابقاً ـ وهذا بدوره ينصب أيضاً على حياة المدعوين من المسلمين وغير المسلمين. بل أثبتت الدراسات أيضاً دور التفسير العلمي في بيان وإيضاح المدعو به (القرآن والسنة وما استنبط منهما)، وهذا ما سوف نلتقي عليه مع القارئ في العدد القادم ـ إن شاء الله تعالى ـ.