المنهجية في بحوث الإعجاز العلمي | العدد الثامن
المنهجية في بحوث الإعجاز العلمي
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



الـمنهجية في بحوث الإعجاز العلمي
د. عبد الحفيظ الحداد
باحث بهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

إن المنهجية في بحوث الإعجاز العلمي تعني الالتزام بكل ما تقتضيه المنهجية العلمية المطلقة مع ما تستلزمه منهجية العلوم الخاصة والميزات الإضافية التي تستلزمها خصوصيات استنباط لطائف الإعجاز العلمي ولنتأمل هذه الأسطر للدكتور نبيل السمالوطي حيث يقول:

(البحث العلمي يقوم في العلوم الواقعية والتجريبية على افتراض الفروض ومحاولة تحقيقها. والفرض جملة خبرية أو سؤال معين بصدد الظاهرة التي ندرسها ـ مثل تمدد المعادن بالحرارة أو ارتباط الضغط بالحجم ارتباطا عكسيا ـ ويختلف أسلوب تحقيق الفروض من علم إلى علم فهناك علوم تعتمد على الأبحاث المعملية ـ كالطبيعة والكيمياء ـ وهناك علوم تعتمد بشكل أساسي على الملاحظة العلمية المنتظمة ـ كالفلك وعلم الاجتماع ـ وهناك ما يعتمد على إجراء الاختبارات والمقاييس ـ علم النفس وعلم الاجتماع ـ ويعتمد علم الاجتماع على الدراسات التاريخية والواقعية والمقارنة) (1) .

ونلاحظ من كلام الدكتور نبيل أن هناك معالم أساسية تلتقي بصددها المناهج العلمية وهناك أمور تتمايز بصددها هذه المناهج مثل أساليب البحث ووسائل جمع البيانات ومرجعية الحقائق ومن هنا نجد أمامنا عددا من المناهج منها المنهج التجريبي والوصفي والتحليلي والاستقراء والاستنباط ولعلنا لا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا إن منهج بحوث الإعجاز العلمي قد يحوي معالم المنهج الوصفي التجريبي والتحليلي ؛ لانه يشمل استنباط الحقائق في مجالات كونية وإنسانية عدة، فلا جرم انه يرتكز في ذلك على مستلزمات مناهج تلك الميادين بشكل أساسي. ونحاول في هذه المقالة استجلاء أهم معالم منهج كتابة بحوث الإعجاز العلمي في القرآن والسنة والتي نذكر منها ما يلي:

1 ـ تخطيط البحث بشكل يستوعب عرض أفكاره الرئيسية، مع وجود عنوان مناسب، وتقسيمه إلى: مقدمة وشرح وخاتمة، مع مراعاة الصياغة المناسبة لأبوابه وفصوله وتفريعاته بانسجام واتساق، ثم توفر السلامة اللغوية وتسلسل أفكار البحث، مع التقيد بعلامات الفصل والوصل وغير ذلك مما يسمى بعلامات الترقيم، وكذلك ملاحظة وضع التمهيد المناسب لقضايا البحث، ووجود خلاصة في نهايته، مع إبراز الإضافة العلمية، وتوفر الأمانة في الاقتباسات والتزام التوثيق الدقيق للنقول، والوفاء بما يلزم الباحث به نفسه من شروط وعلى العموم على الباحث أن يبذل ما في وسعه للإتيان بالأحسن ويحاول الإتقان لكل ما يتعلق ببحثه وفق العرف العلمي المتبع.

2 ـ لابد من إجراء الخطوات الحكيمة لإثبات البراهين العلمية التي تتفق مع منطق البحث دون تزيُّد ولا قصور. وهنا نؤكد بان ثمة منزلقات وتجاوزات قد تسيء للبحث، كما أن هناك خطوات وشكليات قد لا يقيم لها بعض الباحثين اعتبارا فتقلل بالنتيجة من قيمة بحثه. لذلك نؤكد هنا على ما يلي:

أ ـ تحديد المسألة التي يتكلم عنها الباحث في بداية بحثه بكل دقة وتميز ووضوح.

ب ـ تحرير المسألة بشكل يستقطب فرعياتها ويحول دون إقحام الدخيل عليها، أو تكرار أفكارها بدون مقتضي لذلك.

ج ـ إن كانت البرهنة العلمية تستلزم وجود وسائل إيضاح فلا يقتصر في توفير ذلك.

د ـ حسن توليد المعاني، وسلامة الوصول إلى النتائج مع الانتقال المناسب إليها من خلال شرح متسلسل ومتفق مع مستوى البحث وحجم القضية التي يعاني الباحث في بيانها. وليتذكر الباحث دائما أن أفكار البحث هي بمثابة لبنات البناء فليعرف كل لبنة وليحكم وضعها في مكانها المناسب ضمن صرح منهاج بحثه.

هـ ـ عدم الركون إلى القناعات الشخصية وحديث النفس المتأثر بالعاطفة أو الهوى أو نحو ذلك من الخواطر العابرة أو المعارف الغابرة

(من عرف وتقليد وانتماء...) ولنتأمل هذه الكلمات من كتاب البحث العلمي للدكتور محمد زيان عمر حيث يقول عن بيان بعض التحفظات: (الموضوعية تتناول الفرض: يستلزم هذا الفرض اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان الموضوعية والبعد عن الهوى والتحيز والتعصب لما يتبناه من أفكار، وخير ضمان لتحقيق ذلك هو تنمية الباحث لاتجاه عقلي واع على إخضاع آرائه وأمانيه للأدلة الموضوعية)(2).

و ـ أن لا يحاول تكلف ما يتعذر عليه استيعابه ليترجمه للآخرين دون أن يلمس من نفسه إمكانية إنجاز ذلك بسهولة وانسيابية. بل عليه إذا اعترته هذه الحالة أن يعيد النظر في رصيد معلوماته ويحاول السبك المحكم بناء على ما يستجد لديه من تطور الأفكار وإشراقها. ونؤكد هنا على ضرورة اجتناب الخوض في السمعيات

(4) مثل: الجنة والنار والملائكة وعذاب القبر وعوالم الآخرة والنصوص المتشابهة ـ والذي يُردّ علمه إلى الله جل وعلا ـ دون تكلف معرفة ذلك.

3 ـ التزام مسار البحث ومجانفة الاستطرادات المشوشة والشطحات المخلة وليكن الحديث الشريف رائدا لنا حيث يقول عليه الصلاة والسلام

(سددوا وقاربوا) (5) فحجم الكلام ينبغي أن يكون موائما للحاجة بعيدا عن الحشو الممقوت، والإضافات غير ذات الصلة. مع أنه بالإمكان توشية البحث بذلك تهميشاً إن كانت ذات صلة بالبحث.

4 ـ وكما أن كيفية عرض الحقائق مأخوذة في الحسبان ؛ فان أسلوب إنجاز العرض مهم جدا ؛ لان الأسلوب غير المناسب قد يحول دون بلوغ الهدف المنشود وقديما قيل:

ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى(6)

5 ـ ومع التذكير بحتمية التأكد من ثبوت النصوص الحديثية فانه لابد من ثبوت الحقيقة العلمية كذلك، وصحة دلالة النص على تلك الحقيقة والذي يجعلنا بالتالي محققين مناط البحث في لطيفة من لطائف الإعجاز العلمي ـ كما رأينا آنفا(7) .

6 ـ ولا يفوتنا هنا أن نؤكد على ضرورة التزام منهج السلف الصالح في فهم معاني نصوص الوحي، ونتنزه عن التسرع في تأويل كلام الله عز وجل دون مراعاة قواعد ذلك وضوابطه ومحترزاته ونشير هنا إلى ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما حيث يقول: التفسير على أربعة أوجه:

1 ـ وجه تعرفه العرب من كلامها.

2 ـ تفسير لا يعذر أحد بجهالته.

3 ـ تفسير يعلمه العلماء.

4 ـ تفسير لا يعلمه إلا الله.

وعندما يضطر الباحث اللجوء للتأويل ؛ فيلزم اتباع الطريقة المقررة في ذلك، بروح تترجم تعظيم كتاب الله، والتعامل مع النصوص الشرعية وكلام السلف الصالح بأدب إيماني. وعدم التحكم في فهم دلالات الألفاظ والنصوص. فلا يصادر رأيا، ولا يتحكم في مجال، بل يلزم الإنصاف دائماً 8.

وعلى كل فهذا المجال يحتاج لمزيد بيان وتوضيح، ولا مجال الآن للخوض فيه ولكن نسأل المولى عز وجل أن يوفقنا لبيانه في حلقة أخرى والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الهوامش:

1 ـ انظر كتاب المنهج الإسلامي في دراسة المجتمع للدكتور نبيل السمالوطي ص305 ـ 306

2 ـ تنظر صفحة 84 من كتاب البحث العلمي: مناهجه وتقنياته للدكتور محمد زيان عمر.

3 ـ لم أجده في مجمع الأمثال وأورده الدكتور يوسف الثقفي في كتابه ـ أهمية الأمثال في تراث الأمة ـ ص264

4 ـ الأمور الثابتة بالنصوص الشرعية والتي لا مدخل للعقل في الإحاطة بحقيقتها.

5 ـ رواه الترمذي وانظر مشكاة المصابيح ج1 ص35

6 ـ لأبي الطيب المتنبي وانظر: شرح ديوان المتنبي للبرقوقي ج2 ص11

7 ـ المقال السابق في العدد السادس من مجلة الإعجاز العلمي ص51

8 ـ انظر كتاب تأصيل الإعجاز العلمي ـ من الأبحاث التي نشرتها الهيئة ـ ص52 ـ 6