logo.png
الزمان والنسبية.. دلالات وتأملات
طباعة




الزمان والنسبية .. دلالات وتأملات

د. عدنان محمد فقيه


كلية العلوم جامعة الملك عبد العزيز

في مطلع القرن المنصرم ظهرت نظريتان فيزيائيتان كان لهما أكبر الأثر في تطور العلم والتكنولوجيا؛ هذا التطور السريع الذي نشهده ولا نكاد نلتقط أنفاسنا من الركض خلف منجزاته. أحدثت هاتان النظريتان انقلابًا كبيرًا ليس في مفاهيم علماء الفيزياء والكيمياء فحسب؛ ولكن في مفاهيم الفلاسفة والمفكرين، بل وفي مفاهيم عامة الناس ممن قرأ عنهما أو سمع من يتناولهما بالشرح أو التفسير. ونتج عن هذا الانقلاب ذهول وحيرة وشعور "بعدم الارتياح" لا يزال بعد مرور عقود عديدة وحتى يومنا هذا يغشى كل من يحاول أن يدرك أبعاد ودلالات ما تقوله هاتان النظريتان. ولم يكن السبب وراء هذا الذهول  مجرد حداثة "الفكرة العلمية" أو جدة "الصيغة الرياضية"؛ بل كان السبب وراءه التعارض الجلي بين ما تقترحه "التجربة العلمية" ــ بل تمليه في بعض الأحيان وبين ما استقر في أفهام الناس؛ سواءً العلماء منهم أو البسطاء من مفاهيم وتصورات أصبحت على مر الأزمان من المسلَّمات، التي يشهد لها "الحس العام" ولا تحتاج في نفسها إلى إثبات أو برهان.

أما أولى هاتين النظريتين فهي النظرية النسبية بشقيها الخاص والعام واللذين ظهرا في عامي 1905م و 1915م، والتي كان مهندسها الوحيد - تقريبًا- الفيزيائي الشهير ألبرت أينشتين. وأما ثاني هاتين النظريتين فهي نظرية فيزياء الكم؛ والتي أسهم في تطويرها جمع من العلماء تتفاوت أهمية إسهاماتهم العلمية في بناء هذه النظرية الفذة. ومن هؤلاء: ماكس بلانك، ألبرت آينشتين، لويس دي بروي، ورنر هايزنبرغ، إرون شرودنغر. وتحتاج كلا النظريتين إلى الكثير من التأمل والنظر في دلالاتهما وتأثير هذه الدلالات على فهمنا للرؤية الإسلامية للكون والوجود والإنسان.

وسوف أحاول في هذا المقال أن أعرض بإيجاز الملامح الرئيسة لمفهوم الزمن في ضوء النظرية النسبية وما يمكن أن يحدثه هذا المفهوم من تأثير في إدراكنا لمعطيات ودلالات النصوص الشرعية، آملاً أن يتسنى لي في مقالة أخرى أن أتحــدث عن الـدلالات الإيمانية لثاني هاتين النظرتين: نظرية الكم.

ثورة النسبية:


بعيدًا عن التفاصيل الرياضية فإن "النسبية الخاصة" تقوم على فرضيتين تقول أولاهما: إن القوانين الفيزيائية تبقى كما هي في أي مرجع قصوري "متحرك بسرعة ثابتة". بينما تقول الفرضية الأخرى: إن سرعة الضوء في الفراغ تبقى دومًا ثابتة بغض النظر عن سرعة المصدر الذي انطلقت منه، أو سرعة الراصد لها. وتهدف هاتان الفرضيتان إلى أن تجعل القانون الفيزيائي ثابتًا سواءً كان المرجع الذي يقاس فيه هذا القانون ساكنًا أو متحركًا بسرعة ثابتة؛ ويستوي في ذلك القوانين الميكانيكية والقوانين الكهرمغناطيسية. ومعنى ذلك أنك لو كنت داخل مركبة فضائية ورأيت مركبة أخرى "تسير" بجوارك فلن تستطيع أن تحدد ــ بإجراء أي تجربة علمية ــ ما إذا كانت مركبتك هي المتحركة والأخرى ساكنة أو العكس أو أن كلا المركبتين تسيران بسرعتين مختلفتين. إن القانون الفيزيائي سيبقبى ثابتًا من غير أن يميز بين المركبتين فبإمكانك أن تقول إنك أنت المتحرك والمركبة الأخرى ساكنة، وبإمكان قائد المركبة الأخرى أن يقول إنك ساكن وهو المتحرك وتقف النسبية لتقول: لا معنى للنـزاع بينكما فلا حركة مطلقة ولا سكون مطلق.. فالمسألة دائمًا "نسبية".

غير أن الفرضية الأولى اشترطت أن تكون سرعة المرجع "المركبـة في المثـــال السابق" ثابتة؛ أي أن المرجع لا يتســــارع.. فهــل يعني ذلك أن القــــانون الفيزيائي قد يختلف إذا لم تكـــن سـرعة المرجع ثابتة؟ الجواب: كلا.. إن القانون سيبقى ثابتًا حتى في حالة المراجع غير القصورية "المتسارعة" ولكن هذا الجواب لا تقدمه النسبية الخاصة بل جاء على لسان النسبية العامة التي ألغت شرط قصورية المرجع لتعمم الفرضية الأولى حول ثبات قوانين الفيزياء؛ سواءً كانت المراجع قصورية أو غير قصورية. وفي طريقهــا لهــذا التعميم وضعت النسـبية العامة تصورًا جديدًا لمفهوم الجاذبية واعتبرته مكافئًا لمفهوم التسارع ووصفته على أنه انحناء تحدثه الكتلــة أو الطــاقة "وهما وجهان لعملة واحدة في نظر النسبية" في "متصل" رباعي الأبعاد من الزمان والمكان أطلق عليه فيما بعد مصطلح "الزمكان Space-time".

وبهــاتين النظريتين أقام آينشتين الدنيا ولم يقعدهــا حتى إنه استحق في نظر الفيزيائي الروسي لاندو ــ في تصنيف شهير له لعلماء الفيزياء على مر الأزمان ــ استحق آينشتين في نظره أن يوضــع في مرتبــة خـاصة لا يشاركه فيها أحد من زملاء مهنته(
1
). ويبدو أن آينشتين لا يزال يحتل هذه المكانة حتى الآن وبشهادة أكثر من 100 فيزيائي مرموق اختارتهم مجلة "عالم الفيزياء" لترتيب ألمع عشرة فيزيائيين على مر التاريخ حيث حصل آينشتين على المرتبة الأولى في هذا الاستفتاء الذي تم نشر نتائجه في عدد ديسمبر 1999م من المجلة ذاتها.

>     ألبرت أينشتين

وعــودًا إلى النسبية الخاصة فإن الثورة التي أحــدثتها والصعـــــوبة التي أحـــاطت بهـا لم تكن ترجع في حقيقة الأمر إلى تعقيدٍ رياضيٍّ تتطلبه النظــرية؛ بل على العكس من ذلك فإن البناء الرياضي للنظــرية ليس صعبًا البتة (
ليس الأمر كذلك بالنسبة للنسبية العامة
)، لكن الصعوبة تكمن في تصور نتائج هذه النظرية؛ وفي "تصديق" ما تستلزمه صحتها.

النسبية وثبات السنن الإلهية:


ففي سبيل الحفاظ على ثبات القانون الفيزيائي كان لا بد من إحداث ثورة في عدد من المفاهيم الأساسية التي كانت سائدة في التصور الإنساني العام، بما في ذلك ما كان يسمى "بالتصور العلمي". كان لا بد في سبيل ذلك أن تكون سرعة الضوء ثابتة مهما اختلفت سرعة المصدر وسرعة الراصد وهو أمر في غاية الغرابة يترتب عليه إلغاء مطلقية الزمان وإفراغ مفهوم "الآنية" من معناه، فلا يوجد حسب النسبية حدثان متزامنان ما دام يفصل بينهما مسافة. فما يحدث "الآن" بالنسبة لك يحدث "بعد حين" أو "قبل حين" بالنسبة لغيرك. وهكذا كان على الإنسانية أن تغير من رؤيتها حول كثير من القضايا من أجل الحفاظ على ثبات ووحدة القانون الفيزيائي.. هذا الثبات الذي يعبر عنه القرآن بقوله: (
فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً
) فاطر (
43
).

ويمكننا أن نستفيد من هذا الدرس الإنساني العظيم في حياتنا العملية؛ وذلك بأن نتذكر دائمًا أن كل ما يحدث في هذا العالم إنما يحدث وفق سنة مقدرة. فإن ورد علينا الاستغراب والاستنكار بسبب واقعة ما فإن علينا أن نبحث في أنفسنا وفيما حولنا عن سبب هذا الاستغراب، وعلينا كي نزيله أن نعدل تصوراتنا ومفاهيمنا على نحو يجعل من تلك الواقعة أمرًا طبيعيٌّا. فالسنة أو القانون الكوني هو الأصل؛ وأي استنكار لمظهر من مظاهره أوتجلٍّ من تجلياته إنما يرجع إلى خلل في مسلَّمات ذهن المستنكر، تمامًا مثلما كان الخلل في تصورنا عن الزمان هو السبب في استنكارنا لنتائج النسبية. ومثل هذا الموقف ما كان من بعض الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ حينما استنكروا ما حل بهم في غزوة أحد والذي كان نتيجة لسنة كونية مقدرة وقعت المقدمات التي تستدعي حدوثها فحدثت، فنزل القرآن الكريم ليرد خفاء هذه السنة إلى الصحــابة أنفســهم وليــس إلى ذات السنة: (
أَوَلَمَّا أَصَابتْكُم مصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْيلَهَا قُلْتُم أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسَكُم
) آل عمران (
165
).

غياب المرجعية المطلقة داخل الكون:

إن إلغاء مطلقية الزمان والمكان يفرغ هذا الكون من أي مرجعية ذاتية فيه ويجعل قياساتنا للأحداث التي تقع فيه دائماً نسبية. فإذا قلت إن سرعة السيارة هي 100كم/ساعة فإنك تعني سرعتها بالنسبة للأرض وإذا قلت إن سرعة الأرض هي 29كم/ثانية فإنك تعني سرعتها بالنسبة للشمس وهكذا بالنسبة للشمس ولأي جسم آخر في هذا الكون، مما يعني أنه إذا كان هناك مرجع مطلق فلا بد أن نبحث عنه خارج الكون وليس داخله! وإذا كان عالم الجمادات يفتقر في داخله إلى المرجعية المطلقة في العلاقات التي تحكمه؛ على الرغم من انصياع الجمادات للقانون الفيزيائي وانضباطها وفق نسقه؛ فإنه من الأولى أن نقول بعدم وجود المرجعية المطلقة فيما يتعلق بعالم الإنسان حيث إن أفراد الجنس البشري ــ على العكس من الجمادات ــ يتفاوتون من حيث الاستجابة للمؤثرات المحيطة بهم والتفاعل مع السنن الكونية المختلفة. فلزم من ذلك البحث عن المرجعية المطلقة لعالم الإنسان خارج ذاته وخارج الكون الذي يعيش فيه، وتلكم هي مرجعية الوحي والرسالة.

النسبية.. والقدر والدعاء:

إن من نتائج النسبية العامة أن الكون في اتساع مستمر، الأمر الذي أدى فيما بعد إلى نشوء نظرية الانفجار العظيم، والتي تكاد تستحوذ اليوم على إجماع علماء الكونيات. ومفاد هذه النظرية أن هذا الكون كله نشأ عن انفجار نقطة عديمة الأبعاد لا نهائية الكتلة والطاقة. وأنه مع هذا الانفجار نشأ المكان والزمان أيضًا!! أي أنهما غير مستقلين عن مادة هذا الكون، بل لا يتصور وجودهما بدون وجود الكون؛ مثلما أننا لا نتصور وجــود الكون بـــدون وجـــودهمـا! وعلى ذلك فإن هذه النظرية تقترح بداية للزمان (
ونحن هنا نتحدث عن الزمـان الكوني فيما تدركه حواسنا وعقولنا، مع اعتقادنا بوجود زمان ذي طبيعة مغايرة دلت عليه نصوص الوحي
) وإذا كان للزمان بداية هي بداية الكون نفسه؛ فما الذي كان "قبل" بداية الزمان!؟ كثيرًا ما يصدر هذا السؤال من قبل الباحثين في علم الكونيات وكثيرًا ما يكون الجواب على النحو التالي:

إن "قبل" هنا لا معنى لها لأنها ظرف زمان والزمان "آنذاك" لم يكن موجودًا "بعد"!! وكما هو ظاهر فإن هذا الجواب لا تسعفه مفردات اللغة كثيرًا! ونعتقد جازمين ومن غير تعارض مع حقائق العلم أن الحق سبحانه وتعالى كان "قبل" وجود الزمان والمكان فـ (
هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِن
) الحديد (
3
)، ولكن هذه القبلية ليست طرفًا ابتدائيٌّا في سلسلة الزمان الكوني الذي يقول العلم إن بدايته كانت مع الانفجار العظيم؛ بل هي قبلية "إحاطة" في نوع آخر من "الزمان" لا ندرك كنهه ولا طبيعته. وإلى هذا المعنى أشار الإمام سعيد النورسي حين تحدث عن أزلية الحق سبحانه وتعالى فقال: "إن الأزل ليس طرفًا لسلسلة الماضي... بل الأزل يحيط بالماضي والحاضر والمستقبل، كإحاطة السماء بالأرض" (
2
). ومثل ذلك ما ذكره الفيزيائي الشهير والكاتب العلمي بول ديفس من أن وجود خالق للكون يتطلب أن يكون هذا الخالق خارج الزمان والمكان، ثم قال: إن هذا يتطلب أيضًا أن يكون هذا الخالق "ممسكًا بالكون في كل لحظة ليبقيه في حيز الوجود" (
3
) في عبارة يمكن أن تعد ترجمة إنجليزية جيدة لمعنى قول الله عز وجل: (
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا
) فاطر (
41
).

وفي ظل هذا التصور للزمان الذي تقترحه النسبية؛ فإن معنى الماضي والحاضر والمستقبل يكون متعلقًا بنا نحن دونه سبحانه وتعالى. فنحن الذين مررنا بالماضي، ونحن الذين نعيش في الحاضر، ونحن الذين ننتظر المستقبل. أما الحق سبحانه تعالى فالجميع لديه سواء لأن أزليته محيطة بذلك كله كما تقدم. فهو سبحانه لا ينتظر "المستقبل" ليصبح "ماضيً" حتى يعلم ما يقع فيه، كما أن أحداث "الماضي" لا تنقص من قدرته على تغييره والتأثير فيه إذا شاء.

وفي ضوء ذلك فلا معنى للاحتجاج بالقدر الذي يستند في جانب كبير منه على مسألة علم الله السابق بمصائر العباد ومآلاتهم وكون ذلك يجبرهم على السير في طريق دون آخر؛ ذلك لأن علمه سبحانه وتعالى بالمستقبل لايختلف عن علمه بالماضي لإحاطة أزليته بكليهما كما أشار النورسي. وعلى هذا الاعتبار لا يصبح للاحتجاج بعلم الله السابق معناً فيما يخص مسألة القدر إلا  إذا قلنا إن علمك الآن بالأفعال التي عملتها في ماضيك قد أجبرك على فعلها! ولله المثل الأعلى. وكذلك الشأن بالنسبة للماضي فإن عجزنا عن تغييره لا يدل على امتناع تغييره والتأثير فيه مطلقًا لأنه ماضٍ نسبي، أي بالنسبة لنا. ولشرح ذلك لنأخذ القصة الافتراضية التالية "مع ملاحظة واقعيته":

بينما كان عمرو في نزهة خلوية أقفل باب سيارته وفي داخلها مفتاحها، ولم يدرك هذه الحقيقة إلا بعد أن غربت الشمس وقام متوجهًا إلى السيارة ليعود إلى المدينة.

وبعــد أن اكتشف أن المفتــاح داخـل السيارة وبعد عدد من المحاولات الفـــاشلة لاستخراجه منها.. يئس من الأسباب واتجه إلى خالقها بالدعـاء.. فما لبث أن تذكر أن في جيب ثوبه الداخلي نسخة أخرى من مفتاح السيارة؛ رآها صباح ذلك اليوم في درج مكتبه فأخرجها ووضعها في جيبه بطريقة تلقائية.

فرح عمــرو بهذه النهاية وحمد الله على إجابة دعائه. وهنا تنتهي القصة التي عادة ما نعقب على مثلهــا بقــولنـا إن الله سبحانه وتعالى قد علم أن عَمْرًا سوف يدعو بهذا الدعاء فجعله يضع المفتاح الاحتيـــاطي في جيــب ثــوبــه الداخلي بطــريقــة تلقائية في صباح ذلك اليوم. ولا مشكلة في هذا التعقيب؛ إلا أنه يضع الإجابة على الدعاء قبل حدوثه وهو أمر صحيح بالنسبة لنا لكننا لا نحتاج إلى افتراضه بالنسبة للمولى عز وجل. إن "الماضي" يخصنا نحن.. ويحد من حركتنا نحن.. أما الحق سبحانه فإن التأثير في "الماضي" بالنسبة له لا يختلف عن التأثير في "الحاضر" أو "المستقبل" فالجميع عنده سواء إذ هو منـزه عن "إطار" الزمان وعلى ذلك تكون إجابة الدعاء في القصة السابقة، قد وقعت على الحقيقة في "وقت" حدوثه وإن بدت لنا بحكم خضوعنا لسنة مرور الزمان سابقة لذلك الوقت.

آيات.. وتأملات:


ومنذ لفتت النسبية الأنظار إلى مفهوم "الزمكان" أصبح من المألوف أن نعرِّف الأحداث  بأربعة أبعاد: ثلاثة منها مكانية، وواحد زماني؛ مع التأكيد على عدم انفصال البعد الزماني عن البعد المكاني. ويمكننا من خلال فهمنا للنسبية أن نستشف ظلالاً جديدة لألفاظ وردت في بعض الآيات الكريمة في كتاب الله ـ عز وجل ـ فمن ذلك قول الله ـ سبحانه وتعالى: (
وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَليمُ
) الأنعام (
13
)، فقد ذكر أكثر المفسرين أن معنى سكن مشتق من السُكْنى لا السكون. ونستطيع فهم ذلك بسهولة في ضوء النسبية فإن كل موجود يحتاج إلى "زمان" ليسكن "يوجد" فيه بالقدر الذي يحتاج فيه إلى "مكان". وخصــوصًا أن الآية الســــابقة لهذه تقرر ملكية الحق سبحانه لكل ما "يسكن" في حيز المكان: (
قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَمَوَاتِ وَاَلأَرْض قُلْ لِلَّه..
) آل عمران (
59
) فتكون هذه الآية قد جاءت لتقرر ملكيته لما يسكن في "حيز" الزمان باعتباره الوعاء الآخر للموجودات. وقريبًا من ذلك ما يمكن ملاحظته في قــــول الله ـ عــــز وجـــل: (
إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خـَـلَقَـهُ مِن تُرَابٍ ثُـمَّ قـــَالَ لَهُ كُن فَيَـــكُونُ
)  آل عمران (
59
) فإن جُلّ المفسرين قالوا: "أي قال له كن فكان"، ولكن لماذا جاءت الآية بصيغة المضارعة "فيكون" ولم تأت بصيغة الماضي "فكان" بالرغم من أن المألوف أن يتوافق زمنا الفعلين؛ إن لصيغة المضارعة هذه مغزىً يدل عليه التفات الأُذُن حين سماع كلمة "يكون" بدلاً من كلمة "كان" التي كانت تترقبها.. فما هو هذا المغزى يا ترى؟ إن الخلق البشري في هذه الدنيا كغيره من الموجودات يحتاج إلى بعد زمني ليبقى في حيز الوجود فالزمان وعاء لا يكــون بدونه موجود؛ مثله مثل المكان كما تقرر ســـابقًا. وربما كان في استخدام زمن المضارع في لفظـــة "يكون" إشــــارةً مختزلة إلى هــــذا المعنى، والله تعالى أعلم.

1- T.Hey & P. Walters, Einstein’s Mirror. 1997. Cambridge University Press.

2- الكلمات، بديع الزمان النورسي، ص 546، الطبعة الثانية1992م، القاهرة.

3- Paul Davies, God & The News Physics. 1983. Simon & Schuster, New York.





 
https://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/65-Seventh-Issue/529-Time-and-Relative