من دلائل الإعجاز | العدد السابع
من دلائل الإعجاز
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك




من دلائل الإعجاز

د. مصطفى عبدالمنعم


الأستاذ المشارك بكلية الطب جامعة المنصورة  ــ  مصر 

إن دراسة آيات الإعجاز في القرآن الكريم خصوصًا ما يتعلق منها بخلق الإنسان يفتح الباب أمام غير المسلمين للدخول في دين الله كما يفتح الباب للمسلمين ليزدادوا إيمانًا بعد إيمانهم ولينتفعوا من ذلك بالكثير من الدروس المستفادة، وأهم هذه الدروس هو إقامة الدليل والحجة بهذا العلم على إمكانية البعث يوم القيامة، ولتوضيح ذلك نذكر بعض المبادئ والأسس المستفادة من آيات الخلق في القرآن الكريم:

أولاً: الارتباط بين آيات خلق الإنسان والبعث
:


قال تعالى في سورة المؤمنون: (
وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا ءَاخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَلِكَ لَمَـيِّـتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُون
) المؤمنون (
12ـ 16
).

وقال تعالى: (
فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّــآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَآئِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِر
) الطارق (
5 ـ 8
).

وحين جاء عدو الله أُبَيّ بن خلف إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي يده عظم رميم وهو يفته ويذروه في الهواء ويقول: يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا؟ قال ـ صلى الله عليه وسلم: (
نعم، يميتك ثم يبعثك ثم يحشرك في النار
) فأنزل الله تعالى خواتيم سورة يس: (
أوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِىَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيم
) يس (
77 ـ 79
).

وأظهر من ذلك قوله تعالى في سورة الحج: (
يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنْتُمْ فِى رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّـنُـبَـيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِى الأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمٌّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوآ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْىِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ
) الحج (
5 ـ7
) وهذا دليل قاطع على أن الله تعالى قد جعل خلق الجنين في الدنيا دليلاً على البعث يوم القيامة بل ودافعًا لأي شبهة في الشك في هذا البعث ذلك أن من خلق شيئًا فهو قادر على إعادته من باب أولى.

ثانيًا: تحقق أحد الغيبين دليل على صدق الآخر:


فإن الله تعالى قد أنزل في كتابه ـ في  زمن النبوة ـ أمرين من الغيب.. الأول هو مراحل خلق الجنين... والثاني هو بعث الناس من قبورهم يوم القيامة... فإذا كان الأمر الأول قد خرج من عالم الغيب إلى عالم الشهادة في القرن الحالي مصداقًا لقوله تعالى: (
لِكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُون
) الأنعام (
67
). فإن هذا بمثابة الحجة الدامغة على أهل هذا العصر للدلالة على صدق القرآن الكريم وأن ما أخبر به من أبواب الغيب الأخرى مثل البعث يوم القيامة واقع لا محالة.

ثالثًا: معجزة خلق الجنين في الدنيا مساوية:


إن لم تكن أعظم ـ من معجزة البعث؛ ذلك أن آيات الله بعضها أكبر من بعض كما قال الله تعالى: (
وَمَا نُرِيهمِ مِّنْ ءَايَةٍ إلا هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا
) الزخرف (
48
). وقال تعالى: (
وَهُوَ الَّذِى يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه
) الروم (
27
). قال ابن طلحة عن بن عباس: (
يعني أيسر عليه
) وقال مجاهد: (
الإعادة أهون عليه من البداءة والبداءة عليه هينة
) وروى الإمام البخاري عن الربيع بن خثيم والحسن: (
كل عليه هين
) وقال الإمام ابن حجر في الفتح: (
وأما أثر الحسن فرواه الطبري أيضًا من طريق قتادة وأظنه قال عن الحسن ولكن لفظه (
وإعادته أهون عليه من بدئه
) وظاهر هذا اللفظ إبقاء صيغة أفعل على بابها). وروى البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : (
يقول الله تعالى كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك؛ فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد
). وهذا يبين تمام روعة معجزة خلق الجنين التي غفل عنها كثير من الناس على كثرة ما شاهدوها.

رابعًا: إلف المعجزة حائل دون الاتعاظ بها:


فكما أن إلف الطاعة قد يذهب بما فيها من خشوع وإلف المعصية يجرئ المعاصي عليها فإن إلف المعجزة  قد يقف حائلاً أمام الاتعاظ بها.. فما من لحظة تمر إلا ولله فيها خلق جديد أو تطور لجنين من مرحلة إلى مرحلة ومن هيئة إلى أخرى في تتابع معجز يغني كل باحث عن بيان قدرة الله تعالى المطلقة وإقامة الدليل على البعث يوم القيامة ولكن غفل عنها الغافلون حين ألفوها وقد ذمّ الله تعالى من لا يعتبر بمخلوقاته الدالة على ذاته وصفاته وشرعه وقدرته وآياته فقال تعالى: (
وَكَأَىِّ مِّنْ ءَايَةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُون
) يوسف (
105
). ولقد حثنا الله تبارك وتعالى على الالتفات لآياته في الكون وأن نتفكر فيها لا أن نحجب بألفها فقال تعالى: (
إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولى الأَلْبَاب
) آل عمران (
190
) وقال تعالى في آية لا تخلو من أسلوب التعجب: (
وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُون
) الذاريات (
21
).

ومن هذا يتضح أن معجزة خلق الجنين في الدنيا قد جعلها الله تعالى دلالة مادية قاطعة لإثبات عقيدة البعث يوم القيامة.. وهي معجزة متجددة متاحة لأهل الأرض جميعًا على اختلاف أماكنهم كما أنها أظهر لأهل عصرنا لما ثبت من دليل مادي على صدق كتاب الله فيما أخبر عن مراحل خلق الجنين التي تتلاقى مع حقائق العلم الحديث التي كانت غيباً في زمن النبوة.