logo.png
من فقه الإعجاز
طباعة



من فقه الإعجاز

د. عبد الحفيظ الحداد
باحث في هيئة الإعجاز العلمي


ترتكز مسيرة بحوث الإعجاز العلمي إلى قاعدة راسخة تتمثل بالتفسير العلمي لنصوص القرآن والسنة, هذا التفسير الذي يتحقق عبر دعامتين أساسيتين هما:





إذن فكل جهد يبذل في هذا المجال من قبل الباحثين لا بد أن يصدر - وبالتزام تام ومنضبط - عن هذه المشكاة المضيئة من الوحي والمتمثلة بنصوص القرآن الكريم وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم إن هذه الجهود لا بد وأن تتوفر لدى من يبذلها ثوابت علمية نستطيع أن نقول بأنها واردة في هذه الأسطر من كتاب تأصيل الإعجاز العلمي في القرآن والسنة تحت عنوان: قواعد أبحاث الإعجاز العلمي وهي:

(أ ) عِلمُ الله هو العِلمُ الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ ولا يشوبه نقص, وعِلمُ الإنسان محدود يقبل الازدياد ومعرض للخطأ.

(ب) هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة, كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية.

(جـ) وفي الوحي نصوص ظنية في دلالتها, وفي العلم نظريات ظنية في ثبوتها.

(د) ولا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي, فإن وقع في الظاهر فلأن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما.

(هـ) عندما يُري الله عباده آية من آياته في الآفاق أو في النفس, مصدقة لآية في كتابه أو حديث من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتضح المعنى ويكتمل التوافق, ويستقر التفسير وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص بما كشف من حقائق علمية, وهذا هو الإعجاز.

(و) إن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضعها التي قد تتتابع في ظهورها جيلا بعد جيل.

(ز) إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص, وبين نظرية علمية, رُفِضَت هذه النظرية لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شيء علما, وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلا على صحة تلك النظرية, وإذا كان النص ظنيا والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها.

(ح) إذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية وبين حديث ظني في ثبوته فيؤول الظني من الحديث ليتفق مع الحقيقة القطعية وحيث لا يوجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي(1).

وبما أن بحوث الإعجاز العلمي يلزمها الاتصاف بالمنهجية والموضوعية, لذلك فقد اقتضت مصلحة ضبط مسيرة تلك البحوث التأكيد على الملامح التالية:



أجل إن إثبات هذا الواقع التاريخي لبني البشر في عصر التنزيل هو بمثابة شرط لا بد من توفره في مسيرة إثبات الإعجاز العلمي للوصول إلى نتيجة صحيحة في هذا المضمار.



(أ ) دراسة الألفاظ من ناحية اللغة وكذلك معرفة إعراب الألفاظ والجمل من الناحية النحوية إذ الإعراب يوضح المعنى.

(ب) الاسترشاد من دلالة السياق والسباق وأسباب النزول ومعرفة أقوال المفسرين التي توافق ما نظنه من المعنى ومعرفة الأقوال المخالفة لذلك مع الاستئناس بما ورد من أوجه القراءات الصحيحة للآية وألفاظها.

(جـ) استقراء النصوص القرآنية التي لا علاقة لها بالموضوع الذي نحن بصدده وتبين جزئيات تضافرها على المعنى المراد.

(د ) التزام قواعد التفسير كما هو متعارف عليه عند المفسرين.

(هـ) عند البحث مع غير العرب يستفاد من عدة تفاسير كي نتثبت من أن الترجمة للمعاني لم تكن بعيدة الدلالة عن المراد من المعنى الصحيح في اجتهاد المفسرين.

وبذلك ننتهي من الشق الأول من البُعد الموضوعي من أبعاد البحث الإعجازي, ونبدأ في بيان الشق الثاني وهو:





__________

(1) انظر كتاب تأصيل الإعجاز العلمي للقرآن والسنة ص 25, 26، 27
1- فهم الظواهر الكونية عبر قنوات المعرفة المنضبطة لتحقيق اليقين العلمي في مختلف المجالات. 2- الإحاطة بالمعاني المستنبطة من النصوص الشرعية وفق منهج التفسير المعتمد عند علماء الأمة الإسلامية, وفي هذا السياق يقول الشيخ عبد المجيد الزنداني: «ولما كانت أبحاث الإعجاز العلمي متعلقة بالتفسير العلمي للآيات الكونية ومتصلة بشرح الأحاديث في هذه المجالات, فهي فرع من فروع التفسير وجزء من شرح الحديث, وتقوم على مصادر هذين العلمين, ولما كانت قائمة على إظهار التوافق بين نصوص الوحي وبين ما كشف عنه العلم التجريبي من حقائق الكون وأسراره, فهي كذلك تقوم على مصادر العلوم التجريبية إلى جانب العلم المتعلق بتاريخها كما تتصل أيضا بعلم أصول الدين»(1). 1 - إثبات عدم إحاطة البشر - وقت تنزل القرآن - بالحقيقة العلمية التي ورد ذكرها في نص من نصوص القرآن والسنة, وهذا الملمح يعتبر بمثابة البعد التاريخي في قضية الإعجاز العلمي, وذلك لأن الناس في عصر التنزيل لم تكن عندهم الخلفية العلمية التي تؤهلهم لإدراك تلك الحقيقة خصوصا وأن اكتشاف الحقائق العلمية يستلزم أدوات وإمكانات لم تكن متوفرة في ذلك الزمن. 2 - التأكد من ظهور دلالة النص على الحقيقة المكتشفة سواء ذكرتها بصراحة أو أشارت أو أومأت إلى تلك الحقيقة العلمية والتي قد تكون في مجال أحد آفاق الكون أو الإنسان, ولا بد هنا من التأكد بأن يكون النص في ثبوته قطعياً إن كان من سنة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - ومن ثم التأكد من دلالة النص وهذا يقتضي القيام بالخطوات التالية: 3- دراسة الواقعة المشاهدة والتثبت منها بشكل يقيني -أي في المجال الذي هو قيد الدراسة- وذلك لأن تحصيل المعارف وإدراك الحقائق يعتمد على حسن استخدام الحواس ومنافذ الفكر مع الأسلوب الصحيح في المقارنات والاستنتاجات. 4- بيان وجه الإعجاز - تحديد مناط الإعجاز - وذلك من خلال إبراز وجه المطابقة بين ما يدل النص عليه مع الظاهرة الكونية التي شهدت بثبوتها وصحتها قواطع البراهين.
 
https://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/63-Fifth-Issue/569-Jurisprudence-Miracles