سعيد حمود اليامي
يعتبر موضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم من المواضيع المتميزة بعطائها المتجدد مع تعاقب الزمن، حيث يجد الناس كل حين ما يتوافق أو يشير إلى أشياء تعتبر كشفًا جديدًا، لأنها مما لم يطّلع عليه إنسان من قبل.
وفي عصرنا هذا وجد أهل العلم بين دفتي المصحف الكثير من مواضيع الإعجاز أكثر مما سبق في شتى مجالات العلوم. حتى إن هناك من العلماء من دخل إلى رحاب الإسلام بعد أن اطّلع على نور الإعجاز العلمي الذي يدل على أن القرآن منزّل من رب العالمين مصداقًا لقوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِى الآفَاقِ وَفِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَق). وفي مقالنا هذا عن الثقوب السوداء، وحالات النجوم بعد فراغ وقودها النووي ـ والذي يعتبر من المواضيع الحديثة والشيقة في الفيزياء المعاصرة ـ سوف أستعرض الإشارات إليها في آيات القرآن الكريم، والتي سبقت كشوف علماء عصرنا، مع الحرص أن لا يكون هناك أي تأويل لتلك الآيات غير مؤيد بالدليل على صحته، كما أنني سأوضح تلك الدلالات التي يمكن استنباطها من ذات النص أو السياق لتأييد الاستدلال. ولذلك فإني قد أوردت النصوص المفسرة للآيات التي استدللت بها.
هذا وأرجو من الله أن لا يؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا في اجتهادنا وما وصلت إليه عقولنا سعيًا وراء التفكر في ملكوته ـ جل وعلا ـ كما أمر سبحانه.
قوى الجذب الثقالي باتجاه مركز النجم.
القوى الانفجارية للاندماجات النووية بعيدًا عن مركز النجم.
القزم الأبيض، ويكون نصف قطره عدة آلاف من الأميال وكثافته عدة أطنان للإنش المكعب، وقد تم رصد عدد كبير من هذه الأقزام البيضاء في مجرّتنا.
النجم النيتروني ويكون نصف قطره بضع عشرات من الأميال ولكن كثافته من رتبة ملايين الأطنان للإنش المكعب، وقد تم رصد النجوم النيترونية منذ عام 1967م بعد ملاحظة نبضات أمواج الراديو التي كانت تشعُّها.
2 - أن تكون كتلة النجم أكبر من الكتلة الحرجة، وهنا ينكمش النجم بشدة ولا تفلح أية قوة في إيقاف هذا التقلص الذي يسحق الذرات والأنوية في كثافة مريعة إلى أن تؤدي إلى نشوء ما يسمى بالثقب الأسود والذي لا يمكن لأي شيء أن يفلت من قواه الجاذبية حتى الضوء نفسه. وعند ذلك يُشكِّل منطقة معتمة في الكون تتوقف عند الدخول إليها كل الحسابات.
بيان آيات الله في رحاب الكون:
إنه بتفهم كل ما سبق من النتائج والأبحاث العلمية، ومقارنة ذلك بآيات القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أرى أن هناك إشارات واضحة إلى ما يمكننا التعبير عنه بأنه وجوه من التفسير العلمي في القرآن وسأعرضها على محورين:
المحور الأول: يقول المولى ـ جلّت قدرته: (وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِقِ * وَمَآأَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ). لقد ذكر المفسرون ـ حسب اجتهاداتهم ودون الاستناد إلى نص قاطع من القرآن أو السنة ـ أن المقصود بذلك هو النجم الذي يظهر ليلاً ويختفي نهارًا، كما ورد في تفسير ابن كثير بقوله: (يقسم تعالى بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة، ولهذا قال تعالى: (وَالسَّمَآءِ وَالطَّارِق) ثم قال: (وَمَآأَدْرَاكَ مَا الطَّارِق) ثم فسره بقوله: (النَّجْمُ الثَّاقِبُ). قال قتادة وغيره: إنما سمي النجم ثاقبًا لأنه إنما يُرى بالليل ويختفي بالنهار. ويؤيده ما جاء في الحديث الصحيح: (نُهِيَ أن يَطْرُقَ الرجلُ أهله طُروقًا، أي يأتيهم فجأة بالليل). وفي الحديث الآخر المشتمل على الدعاء (إلا طارقًا يطرق بخير يا رحمن). وقوله تعالى (الثَّاقِبُ)، قال ابن عباس: المضيء وقال السدي: يثقب الشياطين إذا أرسل عليها وقال عكرمة: هو مضيء ومحرق للشيطان). انتهى نص التفسير(1).
مقارنة المشاهدات الكونية مع ألفاظ القرآن قد تبين ما غاب عن المفسرين: القرآن هو كلمة الحق التي نزلت من لدن عليم حكيم. فكل حرف وكل كلمة بين دفتي المصحف مقصودة في موضعها وترتيبها، وليس اعتباطًا كما في أغلب كلام البشر. ولقد شدت انتباهي الآيات الثلاث الأولى من سورة الطارق للتأمل والتفكير بأنه ربما قصد بها الثقوب السوداء التي لم تتكشف حقائقها إلا في عصرنا الحاضر؛ إذ إنه لم يكن ممكناً يمكن أن يشير إليها أي من مفسري القرون الماضية، والقرآن الكريم لكل زمان ومكان فكان من البدهي أن نجد فيه ما يتلاءم مع علومنا الحاضرة مع التسليم بأنه ليس من المقبول أن يتم تأويل الآيات دون الاعتماد على منطق تفسيري صحيح؛ لأن خلاف ذلك يكون أشبه بِلَيِّ عنق الآيات لتوافق الفكرة المطلوبة. ولذلك فإني اتجهت إلى تتبع وإحصاء ورود عبارة (وَمَآأَدْرَاكَ) التي وردت في الآية الثانية من سورة الطارق من خلال استقراء نصوص القرآن الكريم، وباستخدام الحاسب الآلي لاستخراج هذه اللفظة، فتوصلت إلى النتائج التالية: وردت صيغة الاستفهام (وَمَآأَدْرَاك) اثنتا عشرة مرة في القرآن الكريم غير ورودها في الآية الثانية من سورة الطارق كالتالي:
ونلاحــظ أن كل ما سبق من المجالات المقترنة بتلك الصيغة هي من الغيبيــات التي يجهلهـا الناس ولا يدركونها بحواسهم ولا يعاينوها في واقعهم.
ثم من الملاحظ أن لفظة (وَمَآأَدْرَاك) تقال في كلام العرب عندما يتحدث من يعلم شيئًا إلى من يجهله مع عظم أمر ذلك الشيء، وبما أن الطارق الوارد في الآيات قد سبقه نفس الاستفهام (وَمَآأَدْرَاكَ مَاالطَّارِقُ) فإنه من المستبعد أن يكون المراد به مقصوراً على النجم الظاهر بالليل والذي يراه الناس ويأنسونه بحياتهم اليومية، وإنما الأقرب ـ بعد التوضيح العلمي ـ أن نقول: إن ذلك فيه إشارة إلى الثقب الأسود الذي هو في أصله نجم أصيب بحالة من الانهيار جعلته يصبح ثقبًا في بنية السماء، يقول الحق تبارك وتعالى: (النَّجْمُ الثَّاقِبُ).
الحديث عن إعجاز القرآن في الإشارة إلى مصائر النجوم بعد انطفائها نكتفي هنا بالحديث عن شمسنا عندما يشاء الله أن ينتهي عمرها ويذهب نورها، لأنها بطبيعة الحال نجم كمثل غيرها من النجوم تخضع لحسابات الانكماش والكتلة الحرجة.
يقول ـ تبارك وتعالى ـ في أول سورة التكوير: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِرَتْ) والتكوير في لغة العرب هو جمع الشيء إلى بعضه وثنيه داخل نفسه مثل لف الثياب إلى بعضها؛ ورد في تفسير ابن كثير: (قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِرَتْ) يعني أظلمت.
وقد جاء السياق القرآني داعمًا لذلك، فإنه بعد ذكر تكور الشمس وانكفائها على نفسها لم يرد مباشرة ما يشير إلى انفراج السماء أو حدوث ثقوب بها على عكس سياق الآية 8 من سورة المرسلات حيث يقول تعالى: (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ).
هذا والله سبحانه أعلم من كل ذي علم.
المراجع:
(1) القرآن الكريم.
(2) تفسير ابن كثير.
(3) تفسير الطبري.
(4) تفسير السعدي.
(5) برنامج (القرآن الكريم) من شركة صخر لبرامج الكمبيوتر.
(6) قاموس (محيط المحيط) للبستاني.
(7) (الثقوب السوداء والأكوان الطفلة) تأليف ستيف هوكنج، ترجمة د. حاتم النجدي.
(8) موجز في تاريخ الزمان، تأليف ستيفن هوكنج، ترجمة الدكتور أدهم السمان.
(9) الشموس المتفجرة، أسرار السوبر نوفا، تأليف إسحاق عظيموف، ترجمة د.السيد عطا
(10) ما بعد أينشتاين، البحث العالمي عن نظرية للكون، تأليف ميشيو كاكو، وجنيفر ترينر، ترجمة الدكتور فايز فوق العادة.