تعد الدورة العامة للرياح مقياساً عاماً لحركة الجو, وتتكون من: الرياح على مستوى الكرة الأرضية التي تنتج من التأثير المشترك للتوازن الإشعاعي, وانتقال الحرارة عبر خطوط العرض, ودوران الأرض, بالإضافة إلى الاختلافات في طبيعة سطح الأرض في الأماكن المختلفة, ويقدم الإشعاع الشمسي الطاقة لدورة الرياح, إذ يسقط الإشعاع الشمسي أكثر مباشرة على منطقة خط الاستواء منه على القطبين فيتزايد الإشعاع الشمسي قرب خط الاستواء, ويتناقص قرب القطبين, وينتج عن ذلك – بوجه عام - حركة صاعدة قرب خط الاستواء, وحركة هابطة قرب القطبين, وقد فكر العلماء في البداية أن دورة بسيطة مثل تلك المبينة في (شكل 2) تعد تمثيلاً صحيحاً للدورة الفعلية, وقد شرح جورج هادلي في عام (1753م) الرياح التجارية, وطبقا لتصوره فإن الهواء الساخن يتصاعد عند خط الاستواء الأرضي, ويندفع الهواء تحت المداري ليملأ الفراغ, ويعمل دوران الأرض إلى دفع الهواء المتحرك باتجاه الغرب, وبهذا توجد الرياح التجارية. وفي شكل (3) صورة لخطوط سريان الرياح تم حسابها كنموذج عدد من صور الأقمار الصناعية لحركة السحب.
(وشكل رقم 7) تمثيل لإعصار في مرحلة النضج, وتبدو سحب الركام المزن (Cb) التي كثيـرًا ما تتكون قرب الجبهة الباردة (الشكل الأسفل إلى اليسار) وسحب الطبقي المزن (Ns) التي كثيـرًا ما تتكون على الجبهة الساخنة (أسفل إلى اليمين) والجزء الأعلى للشكل يبين منطقة رفع واسع الانتشار, وسحب طبقي مزن من ناحية القطب من الإعصار, وكما يبين (شكل8) فإن تكون الإعصار يصاحبه اضطرابات في الهواء العلوي, وهذه الاضطرابات: عبارة عن ذبذبات تموجية في مجرى الهواء العلوي, عند تقدمه في اتجاه الشرق حول الأرض, ويتعرج التيار النفاث بطريقة تموجية, بحيث يخترق الهواء البارد من الشمال, في اتجاه خطوط العرض الجنوبية, والهواء الساخن من الجنوب, يخترق في اتجاه الشمال, وتحدث هذه الموجات بصفة عامة بالقرب من نشاط السطح الجبهي.
وشكل حركة الرياح تبينه الآية التالية قال تعالى: {والمرسلات عرفًا} (سورة المرسلات: آية رقم 1), والكلمة: {عرفاً} المستعملة في الآية تعني: أن شكل الرياح تموجي(1), ويمكن أن يرى هذا الأثر الموجي على سطح البحر, وفي تموجات الرمال, أو في حركة موجية لعلم, والمعنى أيضًا يعطي الشكل الدائري, والشبيه بالمنجل في إعصار تام (شكل 7،6).
ويقول الله تعالى: { والمرسلات عرفاً . فالعاصفات عصفاً } المرسلات الآيتان 2،1), وروي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبي صالح أن المرسلات والعاصفات والناشرات كلها تعني الرياح, وروى ابن مسعود أن المرسلات عرفا تعني أن الرياح تأتي متوالية كعرف الفرس في امتدادها وتتابعها أي أن الرياح تأتي على شكل تموجي, والعرف هو عرف الفرس أو عرف الديك أو عرف الضبع وإلى هنا وصل مفهوم المفسرين, وربط العرف بالرياح ولكن لو دققنا في لفظ العرف يمكن أن يأتي بمعنى (المكان العالي المتميز) وفي سورة الأعراف في قوله تعالى: {وعلى الأعراف رجال} والأعراف جمع عُرف أي على الأماكن المرتفعة المميزة رجال.
ولو جمعنا بين ما وصل إلينا اليوم من معلومات عن الرياح وتوزيعها وأن هناك تيارات من الرياح على ارتفاعات عالية جدا في الغلاف الجوي وأنها تلعب دورا هاما في إعادة اتزان الطاقة في الغلاف الجوي وذلك في عملية تكون السحب وحركتها, لظهر الآن معنى القسم الكريم: {والمرسلات عرفاً فالعاصفات عصفاً} أي أن القسم بالرياح العلوية المرسلة لما لها من أهمية يعلمها الله ثم أتبعت بالفاء التي تدل على التعاقب مباشرة أي يتلو هذه الرياح العليا (Jet Steram) الرياح العاصفات وهذه تكون على سطح الأرض (شكل 9) أي عندما تتكون هذه التيارات النفاثة العليا فإنها - إن شاء الله - ستتبع فورا بالعاصفات على سطح الأرض, وهذا يحدث فعلا إذا تكونت التيارات النفاثة وهي تكون مصاحبة عادة لالتقاء الكتل الهوائية الباردة والساخنة, وعندما تتكون السحب الركامية والتي بدورها تحدث خطًّا يسمى بخط العواصف وهذا الخط يعرف بـ (Squall line) ( شكل(12 أ)
الرياح والسحاب:
يقول الله تعالى: { وهو الذي يرسل الرياح بشـرًا بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون} سورة الأعراف آية 57) تبين أن للرياح مركبة أفقية وهي تقوم بعملية سَوْق السحاب ومركبة رأسية وهي المسؤولة عن عملية الرفع للسحب وحملها والمعنى في قوله تعالى: { أقلت سحاباً } من الآية السابقة, وفي قوله تعالى:{ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون } (سورة الروم - آية 48).
فالمركبة الرأسية للرياح هي المسؤولة عن إثارة السحاب وإظهاره حيث يبرد الهواء بالارتفاع وبذلك يتكثف بخار الماء غير المرئي فتتكون قطرات الماء فتظهر السحاب, أما المركبة الأفقية فهي المسؤولة عن البسط والانتشار, والمركبة الرأسية للرياح تنشأ عادة بسبب عدم الاستقرار في الكتل الهوائية أو ارتقاء الرياح للجبال الحملية للرياح متوازنة مع قوة وزن السحاب المتجهة إلى أسفل, {أقلت سحابًا ثقالاً} والنتيجة هي أن القوة الأفقية تصبح مؤثرة لتحريك السحاب جانبًا {سقناه لبلد ميت} (شكل 10)
الرياح على المستوى المحلي:
الرياح على المستوى المحلي: هي التي تكون على مدى يدخل في نطاق الإدراك البشري عامة, ويرتبط هذا المدى بالتضاريس المحلية, مثل الجبال والتلال, وشاطئ البحر.. إلخ.
وترتبط هذه الرياح عامة بتأثيرات الحمل والموجات والاضطرابات. وتنتج الرياح الحملية من تسخين الهواء, بحيث يصبح أدفأ من الهواء المحيط به, ثم يصعد الهواء الساخن, ومع الارتفاع يتناقص ضغط الهواء ويبرد, فإذا صعد الهواء بقدر كاف فإن الرطوبة قد تتكثف وتتكون السحب, وإذا كان هناك قدرًا كافيا من الرطوبة وكانت درجات الحرارة في الهواء العلوي المحيط باردة بالقدر اللازم, فقد تتكون سحب حملية, ومثل هذه السحب يمكن أن تنتج رياحًا قوية في تدفقها, مثلما يحدث في هبات الجبهات والنكباء (Turnado), (شكل 9) ومثل هذه الرياح القوية المدمرة, هي تضافر للتيارات القوية, الخارجة من (أو الداخلة في) السحاب, بالإضافة إلى الاضطراب, وقد تكون نفحات(ريح نفوح: هبوب شديدة الدفع (المعجم الوسيط, ج2, ص 938) الجبهات كبيرة جدًّا, وتتوالد في مساحة بعيدة عن العاصفة الأم.
ورياح نسيم البحر (شكل 10) هي رياح حملية ذات مدى كبير, وتنتج من فروق أفقية كبيرة المدى في درجة الحرارة, مثل تلك التي تحدث على الفواصل بين الأرض والبحر, فيسخن الهواء فوق الأرض ويرتفع, بينما ينساب الهواء الأبرد نسبيا من فوق البحر إلى داخل الأرض, ويحل محل الهواء الساخن المرتفع فوق الأرض فينتج دورة أفقية, ويمكن لهذه الدورة الأفقية أن تنتج خطوطًا من سحب الحمل على طول شاطئ البحر.
وتعتبر الموسميات أكبر أنواع نسيم البر والبحر مدى, وتحدث عندما توجد دورة حملية كبيرة المدى, بين قارة كاملة ومحيط, وبدرجة كبيرة من التماثل مع نسيم البحر.
ودورة رياح الجبل والوادي, مثال آخر على الرياح التي تتولد من اختلافات حرارة سطح الأرض كما هو الحال بالنسبة لنسيم البحر (شكل 11).
أما أعاصير الهاريكان, فهي عواصف حملية كبيرة جدًا, تحدث حينما يسخن سطح المحيط إلى الحد الذي يبدأ فيه تراكم كمية كبيرة من الهواء الساخن, ويتصاعد فتتكون مجموعة كبيرة من العواصف الحملية؛ على هيئة دورانية دوامية, وتنمو الدورة بسبب قوة كوريوليس (السابق شرحها).
الشكل الموجي للرياح ينتج من رياح أفقية يعترضها بطريقة ما دفعات رأسية, وتنتج هذه الدفعات عامة من التضاريس أو تيارات الحمل, وأكثر أشكال السحب المتكونة إثارة للنظر ما يحدث قرب الجبال (شكل 11) حينما تدفع سلسلة من الجبال الهواء العابر فوقها بحركة رأسية, وكثيـرًا ما يكون مشهد هذه السحب جذابًا للغاية.
ومن الممكن أيضًا أن تكون رياح موجة الجبل هذه مدمرة جدًّا, إذا كان ارتفاع قمتها عالية بدرجة كافية لجعل الموجة تصل إلى الأرض, وصادفتها ظروف حرارية مناسبة في الجو, والرياح الناتجة قد تكون قوية جدًّا, بدرجة تدمر المباني والمنشآت, حينما تصل سرعتها إلى أكثر من 100 ميل في الساعة.
وفي كل الأحوال التي توجد فيها رياح قوية, فإن هناك تسربا في القوة على هيئة دوامات اضطرابية, وفي بعض الحالات تظهر سحب موجية خاصة, يكون مظهرها شبيها تماما بالأمواج على سطح البحر, وتبدأ مثل هذه السحب بأسطح عليا ملساء, ثم تتحول إلى أشكال موجية مثل تلك المبينة, وتنتهي بأن تتكسر الأمواج وتصبح حركة اضطرابية غير منتظمة, ويمكن وصف الحركة الاضطرابية بأنها تفتت مجرى الرياح الكبيرة والقوية إلى رياح أصغر وأخف, ويميزها أنها رياح أكثر بعدًا عن الانتظام, وهناك ظاهرة جوية أخرى, تنتج رياحًا سطحية أعلى من المعتاد, وتسبب أيضًا عواصف ترابية, وهي أساس لعملية خلط كبرى, بين التروبوسفير والاسترانوسفير, وهذه الظاهرة هي طية التروبوسفير, وتحدث حينما يكون هناك تفاعل بين تيار نفاث مع تشكيل جبهي؛ لينتج هبوط شديد لهواء عالي السرعة من ارتفاعات عليا إلى السطح (شكل 12), وقد يكون الهواء الناتج ساخنًا جدًّا, وجافاً وسريع الحركة, مما قد تنتج عنه رياح سطحية شديدة, تدوم لفترة طويلة ويمكنها أن ترفع وتثير الرمال لمسافات بعيدة.
ويمكن أن ترفع الرياح - عندما تهب - مواد مثل التراب وبخار الماء في الهواء, وهذا هو تأثير القوة الصاعدة, ثم تقوم الرياح بنقل هذه المواد, من خلال قوى أفقية.
ويصف القرآن الكريم هذه الأحداث إذ يقول تعالى: { والذاريات ذروا فالحاملات وقراً} (سورة الذاريات: 1-2)
المراجع:
1- القرآن الكريم.
2- زاد المسير. ط. المكتب الإسلامي, بيروت.
3- جامع البيان. ط. دار الفكر, بيروت.
4- الجامع لأحكام القرآن. ط. دار إحياء التراث العربي, بيروت.
5- الفخر الرازي. ط. دار إحياء التراث العربي, بيروت.
6- فتح القدير للشوكاني. ط. دار المعرفة, بيروت.
7- ابن كثير. ط. دار الكتب العلمية, بيروت.
8- المعجم الوسيط. ط. دار إحياء التراث الإسلامي, قطر.
BIBLIOGRAPHY
1 - Whipple, A.C and The Editors of Time Books, Storm. 1982, Time life books, Alexandria, VA.
2 - Halinter, G.J. and Aaltin, F.L, Dynmical and Physical Meteorolgy, 1957, Mcgraw-Hill co., New York.