logo.png
الفرق بين ولادة الهلال وظهوره علمياً
طباعة



 

م. محمد شوكت عودة

هل تولد الأهلة؟

هذا هو السؤال الذي أصبح معياراً لبعض الفقهاء لمعرفة صحة بداية الشهر القمري من عدمه، فإذا ما علم الفقيه أن تولد الهلال قد حدث قبل غروب الشمس، اعتبر اليوم التالي هو أول الشهر الجديد بغض النظر عن رؤية الهلال! وحجته بذلك أن الحسابات الفلكية أصبحت دقيقة في وقتنا الحاضر. ولما كانت قادرة على حساب موعد تولد الهلال بدقة، فإنه من الأحرى الاعتماد على هذه الحسابات الفلكية وإهمال رؤية الهلال. ولكن هل يعلم هذا الفقيه المعنى الحقيقي لمصطلح ( تولد الهلال )؟ على الأغلب فإن الجواب هو: لا!

فبعض الناس يستخدم مصطلح تولد الهلال في غير موضعه، حتى اعتقد عامة الناس وبعض الفقهاء أن معنى تولد الهلال هو بداية ظهور الهلال، إلا أن هذا الاعتقاد غير صحيح إطلاقاً، فللقمر أطوار ( أوجه ) هي المحاق والهلال والتربيع والأحدب والبدر، فتارة نرى جميع قرص القمر مضيئاً، وعندها نقول إن القمر في طور البدر، وتارة نرى أن نصفه مضيء فنقول إن القمر في طور التربيع الأول ( بداية الشهر ) أو التربيع الثاني ( نهاية الشهر )، وتارة نرى القمر على شكل قوس جميل فنطلق عليه اسم الهلال، والمرحلة التي بين التربيع والبدر يسمى القمر فيها أحدب. أما الطور الذي لا يمكننا رؤيته فيسمى طور المحاق، وهو عكس البدر، فعندها تكون نسبة إضاءة القمر تساوي صفراً٪ تقريباً، ولا يمكننا رؤية القمر وهو في طور المحاق إلا وقت كسوف الشمس، فحينئذ نلاحظ أن هناك شيئاً أسود قد حجب الشمس. إن هذا الشيء الأسود هو القمر، وقد وقع بين الأرض والشمس، ولذلك حجب عنا ضوء الشمس.

جرم مظلم:

نحن نرى القمر بأطوار مختلفة لأن القمر جرم سماوي مظلم لا يشع بذاته بل يستمد ضياءه من الشمس. ولما كان القمر كرة، فإن الشمس دائماً تضيء نصف القمر، في حين يكون النصف الآخر مظلماً. ويعتمد طور القمر الذي نراه من الأرض على موقع نصف القمر المضيء بالنسبة للأرض، فعندما يقع القمر أثناء دورانه حول الأرض بين الشمس والأرض، فإن الشمس تضيء وجه القمر المواجه لها، أما نصف القمر المواجه للأرض فإنه يبدو مظلماً تماماً، وعندها نقول إن القمر الآن في طور المحاق، وهو ما يسمى أيضاً بالاقتران أو الاستسرار، وهو نفسه ما يطلق عليه البعض مصطلح ( تولد الهلال ).

إلا أن الكثير من الناس يظنون أن تولد الهلال معناه بداية ظهور الهلال، أو أنه انتقال القمر من طور المحاق إلى طور الهلال، إلا أنه في الحقيقة ذروة طور المحاق! والسؤال الذي نطرحه نحن كفلكيين على الفقهاء: هل المعتبر في تحديد الشهر القمري هو طور المحاق أم طور الهلال؟ بالطبع فإن جواب الفقهاء هو أن المعول عليه لتحديد المواقيت وبدايات الأشهر القمرية هو الهلال وليس المحاق ( الاقتران أو تولد الهلال أو الاستسرار ).

مصطلح خاطئ:

لماذا أقر بعض الفقهاء بصحة بداية الشهر الهجري إذا حدث تولد الهلال قبل غروب الشمس؟

يبدأ اليوم المستخدم في حياتنا اليومية في الساعة 12 ليلاً، أما اليوم القمري فإنه يبدأ من لحظة غروب الشمس، واعتقاداً من بعض الفقهاء أن معنى تولد الهلال هو انتقال القمر إلى طور الهلال، فقد أقر هؤلاء الفقهاء بأنه لما كان القمر قد أصبح في طور الهلال قبل بداية اليوم الهجري فهذا يعني أنه من المقبول شرعاً أن يكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد، إلا أن هذا الاعتقاد ربط بداية الشهر الهجري بطور المحاق وليس طور الهلال! ولهذا فإننا نتمنى من الجهات الفلكية عدم استخدام مصطلح تولد الهلال لما يسببه هذا المصطلح من إرباك، واستخدام مصطلح الاقتران أو المحاق أو الاستسرار.

الإجابة ليست سهلة:

متى يصبح القمر في طور الهلال؟ لما كان تولد الهلال هو نفسه المحاق، إذاً متى ينتقل القمر من طور المحاق إلى طور الهلال؟

في الحقيقة إن الإجابة عن هذا السؤال ليست كما قد يعتقد البعض فالإجابة عنه تحتاج إلى متخصص في موضوع رصد الأهلة. ولإيضاح ذلك لابد من الإشارة إلى بعض المفاهيم الفلكية التالية. يتم التحري عن الهلال الجديد بعد غروب الشمس وبشكل عام لا يتم التحري عن الهلال قبل غروب الشمس لأن الهلال الذي نبحث عنه نحيل جداً وإضاءته خافته، فالبحث عن مثل هذا الهلال قبل غروب الشمس هو كالبحث عن النجوم وقت الظهيرة! فالنجوم موجودة في السماء دائماً، إلا أن إضاءة الشمس الشديدة تطغى على إضاءة النجوم، فلابد من غروب الشمس أولاً والانتظار مدة زمنية معينة بعد غروب الشمس حتى تبدأ النجوم بالظهور. فعلى سبيل المثال إن النجوم لا تبدأ بالظهور بعد غروب الشمس بخمس دقائق فقط، لأن إضاءة الغسق تكون لا تزال شديدة، فقد نضطر أحياناً إلى الانتظار ساعة بعد غروب الشمس لرؤية النجوم الخافتة. والمثال نفسه ينطبق على الهلال تقريباً، إلا أن الهلال لن يبقى منتظراً في السماء إلى أن تخفت إضاءة الغسق لنتمكن من رؤيته! فالقمر يشرق ويغرب مثل الشمس تقريباً، إلا أن القمر يتأخر غروبه كل يوم بمقدار 50 دقيقة كمعدل، بمعنى أنه إذا غاب القمر اليوم في الساعة السابعة مساء، فإنه سيغيب غداً في الساعة السابعة وخمسين دقيقة تقريباً. إن القمر في اليوم التاسع والعشرين من الشهر القمري قد يغيب قبل الشمس أو معها أو بعدها بفترة لا تتعدى ساعة واحدة بشكل عام، والفترة بين غروب الشمس وغروب القمر تسمى مكث القمر، فإذا تمت رؤية الهلال في الفترة الممتدة بين غروب الشمس وغروب القمر كان اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد، أما إذا غرب القمر قبل أن نتمكن من رؤية الهلال فيكون اليوم التالي هو اليوم الثلاثين من الشهر الهجري الحالي.



شرطان أساسيان:

مما سبق نستنتج أنه حتى نتمكن من رؤية الهلال يوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري لابد من توافر شرطين أساسيين تستحيل الرؤية بغياب أحدهما:

أولاً: أن يكون القمر قد وصل إلى مرحلة المحاق ( الاقتران أو تولد الهلال أو الاستسرار ) قبل غروب الشمس، لأننا نبحث عن الهلال، وهو ـ أي الهلال ـ مرحلة تلي المحاق، فإذا لم يكن القمر قد وصل إلى مرحلة المحاق فلا جدوى إذاً من البحث عن الهلال.

ثانياً: أن يغرب القمر بعد غروب الشمس، لأننا سنبحث عن الهلال عندما يخف وهج السماء بعد غروب الشمس، فإذا كان القمر سيغيب أصلاً قبل غروب الشمس، فهذا يعني أنه لا يوجد هلال في السماء نبحث عنه بعد الغروب.

ومن الجدير بالذكر أن الفترة الزمنية الممتدة من لحظة المحاق ( تولد الهلال ) وحتى وقت الرصد ( لحظة غروب الشمس مثلاً ) تسمى عمر القمر، فعلى سبيل المثال إن عمر القمر عندما يكون في طور البدر هو 14 يوماً تقريباً. وعمر القمر وقت المحاق ( تولد الهلال ) هو صفر.

لحظة عالمية:

هل المحاق ( الاقتران أو تولد الهلال أو الاستسرار ) لحظة عالمية واحدة؟

ساد الاعتقاد بأن لحظة الاقتران هي لحظة عالمية واحدة، إلا أن هذا الاعتقاد غير دقيق بعض الشيء، فهناك مصطلحان للاقتران، يطلق على الأول اسم ( الاقتران المركزي ( Moon ( New Geocentric )والثاني ( الاقتران السطحي ( Moon ( New Topocentric ) المصطلح الأول يعتبر أن الأرض والشمس والقمر عبارة عن نقاط ( وهي المراكز ) تسير في الفضاء، فإذا ما التقت هذه المراكز على استقامة واحدة وكان القمر في المنتصف، حدث الاقتران، بالطبع فإن لحظة الاقتران في هذه الحالة هي لحظة عالمية واحدة. إلا أن عملية رصد الهلال تتم من على سطح الأرض وليس من مركزها! فما يهمنا معرفته هو وقت حدوث الاقتران من موقع رصدنا على سطح الأرض، وهذا ما يعالجه المصطلح الثاني ( الاقتران السطحي )، إذ يعتبر هذا المصطلح أن الأرض والشمس والقمر كرات تسير في الفضاء، ويحدث الاقتران عندما يقع مركزا القمر والشمس على استقامة واحدة كما يرى من موقع الراصد على سطح الكرة الأرضية. بالطبع فإن لكل منطقة على سطح الأرض موعدها المختلف لحدوث الاقتران، وخير دليل على ذلك هو كسوف الشمس، فهو اقتران مرئي، ومن المعروف أن مواعيد الكسوف تختلف من منطقة لأخرى. ويبلغ أقصى فرق بين الاقتران المركزي والسطحي نحو ساعتين، في حين يبلغ أقصى فرق في الاقتران السطحي بين منطقتين مختلفتين للشهر نفسه نحو أربع ساعات.

إذاً حتى لو سلمنا بصحة قول من يدعو إلى اعتماد بداية الشهر الهجري إذا حدث المحاق قبل غروب الشمس، فإنه لا بد من استخدام موعد المحاق السطحي وليس المركزي. ويا للأسف فإن جميع معدي التقاويم في الدول الإسلامية يعتمدون الاقتران المركزي وليس السطحي.

معايير رؤية الهلال:

قبل أن نعرف إمكانية رؤية الهلال بعد غروب الشمس في اليوم التاسع والعشرين من الشهر الهجري، يجب التأكد أولاً أن القمر في ذلك اليوم سيغيب بعد غروب الشمس، وأن المحاق ( تولد الهلال ) حدث قبل غروب الشمس. ولمعرفة هذه القيم، ( موعد المحاق وغروب الشمس وغروب القمر ) يمكن استخدام برامج حاسوب مجانية معدة لهذا الغرض أو الرجوع إلى مواقع متخصصة على شبكة الإنترنت أو استشارة إحدى الجهات الفلكية ذات العلاقة. فلنفترض أن المحاق حدث قبل غروب الشمس وأن القمر سيغرب بعد غروب الشمس، فما هي المعلومات الأخرى التي يجب معرفتها حتى نحدد أنه سيكون بالإمكان رؤية الهلال في ذلك اليوم أم لا؟ وهذا ما يسمى بمعايير رؤية الهلال. ولقد ساد بين عامة الناس الكثير من المعايير التي تتسم معظمها بعدم الدقة أو حتى عدم الصحة! وفيما يلي بعض من معايير رؤية الهلال:

أولاً: معيار غروب القمر بعد الشمس وحدوث المحاق قبل غروب الشمس:

يقول أصحاب هذا المعيار إنه إذا غرب القمر في التاسع والعشرين من الشهر الهجري بعد غروب الشمس ولو بدقيقة، وحدث المحاق قبل غروب الشمس ولو بدقيقة، فإن القمر يمكن رؤيته بعد غروب الشمس كهلال، وعليه يكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد. وهذا هو المعمول به في تقويم أم القرى السعودي ابتداء من العام 1423هـ، وكذلك فإن هذا المعيار أو ما يشبهه هو المعتمد في تقاويم دول الخليج باستثناء سلطنة عمان وفي مصر وفي كثير من الدول الإسلامية الأخرى، ولكننا نعتقد أن هذا المعيار غير مناسب لمعرفة إمكانية رؤية الهلال، وذلك للأسباب التالية:

أ ـ إن موعد المحاق الذي تم حسابه هو المحاق المركزي، أي موعد المحاق بالنسبة لمركز الأرض وليس بالنسبة لموقع الراصد كالسعودية أو مصر أو غيرهما، فقد يبدأ الشهر لأن المحاق حدث قبل غروب الشمس بالنسبة لمركز الأرض، في حين أن المحاق لم يحدث بعد بالنسبة لموقع الراصد على سطح الأرض!

ب ـ عندما نقول إن الشمس ( أو القمر ) قد غربت، فهذا يعني أن الحافة العليا لقرص الشمس ( أو القمر ) قد اختفت وراء الأفق فإذا كانت الشمس ستغيب في الساعة السادسة مساء مثلاً وسيغيب القمر في الساعة السادسة ودقيقتين، فهذا يعني أن الحافة العليا لقرص القمر ستختفي في الساعة السادسة ودقيقتين، إلا أن الهلال ـ إذا افترضنا وجوده في مثل هذه الحالة ـ يقع في الحافة السفلى لقرص القمر، لأن القمر يستمد ضوءه من الشمس. ولما كانت الشمس تقع أسفل القمر، فهذا يعني أن الجزء المضيء من قرص القمر هو الجزء السفلي منه، ومن البديهي أن الحافة السفلى لقرص القمر تغيب قبل الحافة العليا، وبالنسبة لمناطقنا ( خط عرض 32 درجة مثلاً ) فإن المدة الزمنية بين غروب الحافة العليا لقرص القمر وغروب الحافة السفلي هي دقيقتان و 40 ثانية كمعدل، أي إن الهلال يغيب فعلياً قبل ثلاث دقائق تقريباً من غروب كامل قرص القمر، ومن ثم حتى لو سلمنا بإمكانية رؤية الهلال بمجرد غروب القمر بعد الشمس دون النظر في العوامل الأخرى، فإنه يجب اعتماد موعد غروب الحافة السفلى لقرص القمر وليس العليا، ولما كان الفارق الزمني بين الغروبين يساوي 3 دقائق تقريباً، فهذا يعني أنه لابد أن يغيب القمر بعد 3 دقائق من غروب الشمس حتى نضمن على الأقل وجود ( ذلك الهلال المزعوم ) في السماء بعد غروب الشمس.

ج ـ حتى لو افترضنا أن معدي التقويم أجروا التعديلين السابقين في حساب موعد المحاق وموعد غروب القمر. فإن هذا المعيار يبقى غير مناسب لمعرفة إمكانية رؤية الهلال كما سيتضح لاحقاً، بل يمكن اعتباره معياراً يهمل رؤية الهلال كما سيتضح لاحقاً، بل يمكن اعتباره معياراً يهمل رؤية الهلال لأنه يقر ببداية الشهر بمجرد غروب القمر بعد الشمس وحدوث المحاق قبل غروب الشمس دون الاهتمام بأن القمر أصبح في طور الهلال، بل يكتفي بأن القمر قد وصل إلى مرحلة المحاق..

إذا غاب القمر قبل مغرب الشمس فهذا يعني عدم وجود هلال في السماء نبحث عنه بعد الغروب.

لكل منطقة موعد مختلف لحدوث الاقتران

اللجوء إلى اعتماد عمر القمر أو مكث القمر لمعرفة إمكانية رؤية الهلال ليس دقيقاً.

ثانياً: معيار عمر القمر:

يستخدم عامة الناس هذا المعيار كونه الأسهل استخداماً، فنجد من يقول إنه إذا زاد عمر القمر وقت غروب الشمس على 12 ساعة مثلاً فعندها يمكن رؤية الهلال في ذلك اليوم. وكما ذكرنا فإن عمر القمر هو الفترة الزمنية بين وقت المحاق ووقت الرصد. فمعتمدو هذا المعيار علموا أن تولد الهلال هو المحاق، وأن القمر بحاجة إلى فترة زمنية بعد المحاق ( تولد الهلال ) حتى يبتعد عن الشمس وتبدأ حافته بعكس أشعة الشمس لنراه على شكل هلال. وبالعودة إلى أرصاد الأهلة الممتدة من عام 1859 إلى 2005م نجد أصغر عمر هلال تمت رؤيته بالعين المجردة كان 15 ساعة و 33 دقيقة، وذلك من قبل الراصد بيرس ( PIERCE ) يوم 25 فبراير 1990م. أما في المرقاب فقد كان أصغر عمر هلال تمت رؤيته هو 13 ساعة و 14 دقيقة، وذلك من قبل الراصد ستام ( Stamm ) يوم 20 يناير 1996م. إلا أن معيار عمر القمر لا يمكن استخدامه بدقة لمعرفة إمكانية رؤية الهلال بمعنى أنه لا يمكننا القول إنه يمكن رؤية كل هلال بالعين المجردة إذا زاد عمره على 15 ساعة، حيث تبين أرصاد الأهلة السابقة أنه قد يكون عمر القمر 24 ساعة أو أكثر ولا يرى الهلال حتى بالمرقاب، لأن رؤية الهلال لا تعتمد على عمر القمر فقط.

ثالثاً: معيار مكث القمر:

تسمى الفترة بين غروب الشمس وغروب القمر مكث القمر، وقد اتخذ البعض هذه القيمة معياراً لمعرفة إمكانية رؤية الهلال، فنجد من يقول مثلاً إنه إذا مكث مدة تزيد على 30دقيقة بعد غروب الشمس، فعندها يمكن رؤية الهلال، وبالعودة إلى أرصاد الأهلة الممتدة من عام 1859 إلى 2005 نجد أن أقل مكث هلال تمت رؤيته بالعين المجردة كان 29 دقيقة، وذلك من فلسطين يوم 20 سبتمبر 1990، ولم ير هلال باستخدام المرقب يقل مكثه عن هذه القيمة، وهذا المعيار ليس دقيقاً كذلك، إذ تبين أرصاد الأهلة السابقة أنه قد يكون مكث القمر 75 دقيقة أو أكثر ولا يرى الهلال حتى باستخدام المرقب.

رابعاً: معيار الاستطالة ( قوس النور ):

الاستطالة هي بعد مركز القمر عن مركز الشمس بالدرجات كما يرى من الأرض. فعلى سبيل المثال إن استطالة القمر وقت ذروة كسوف الشمس الكلي تساوي صفراً، لأن القمر يقع أمام الشمس تماماً بالنسبة للناظر من الأرض، في حين أن استطالة القمر عن الشمس وقت البدر تساوي 180 درجة، أما عندما يكون القمر في طور التربيع الأول فإن استطالته تساوي 90 درجة.

كلما ازدادت استطالة القمر عن الشمس ازدادت نسبة إضاءته ومن ثم تتحسن إمكانية رؤية الهلال، وقد توصل العالم دانجون ( Danjon ) عام 1936 إلى أنه إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أقل من 7 درجات فإن نسبة إضاءة القمر كما تبدو للراصد على سطح الأرض تساوي صفراً. وبتقدم الأجهزة الرصدية وازدياد الأرصاد الفلكية للهلال نجد أن حد دانجون يساوي الآن 6,4 درجة، فبالعودة إلى أرصاد الأهلة الممتدة منذ عام 1859 وحتى عام 2005م نجد أن أقل استطالة لهلال تمت رؤيته بالعين المجردة كان 7,7 درجة، وذلك من قبل الراصد بيرس يوم 25 فبراير 1990م، أما بالمرقاب فإن أقل استطالة لهلال تمت رؤيته كانت 6,4 درجة وذلك يوم 13أكتوبر 2004م من قبل الراصد ستام.

في حين أنه يمكن استخدام هذا المعيار كحد أدنى، كأن نقول إنه لا يمكن رؤية الهلال إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أقل من 6 درجات، فإنه لا يمكننا القول إنه من الضروري رؤية الهلال إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أكثر من 6 درجات، فهناك عوامل أخرى تؤثر على رؤية الهلال.

والفلكيون مجمعون على هذا المعيار ولم يشذ عن ذلك إلا قلة نتيجة لعدم إلمامهم الكامل بالموضوع، وحجة مدعي عدم دقة هذا الحد هي شهادة بعض الشهود برؤية الهلال عندما كانت استطالة القمر عن الشمس أقل من 6 درجات. في الحقيقة إن هذا دليل لا يصلح، لأن هؤلاء الشهود الذين يستدل البعض بشهادتهم هم أنفسهم من شهد برؤية الهلال عندما كان القمر غير موجود في السماء أصلاً. إن جميع أرصاد الهلال الممتدة من عام 1859 إلى 2005 تؤكد هذا الحد، بل إن الحسابات الفلكية تشير إلى أن هذا الحد يصبح 5 درجات عند الرصد بالعين المجردة من الفضاء الخارجي بعيداً عن الغلاف الجوي.

خامساً: معايير حساب رؤية الهلال:

مما سبق نستنتج أنه لا يمكن استخدام عمر القمر أو مكثه لمعرفة إمكانية رؤية الهلال، ولكن قد نتمكن من معرفة إمكانية رؤية الهلال إذا كانت هذه القيم صغيرة جداً أو كبيرة جداً، فمثلاً من المسلم به أنه لا يمكن رؤية الهلال إذا كان عمر القمر ساعة فقط مثلاً، أو إذا كان مكث القمر 5 دقائق فقط، في حين أنه من المفترض أن نرى الهلال إذا كان عمره 48 ساعة أو مكثه ساعتين. أما معيار الاستطالة فإنه ينص على أنه لا يمكن رؤية الهلال حتى باستخدام المرقب إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أقل من 6 درجات، ولكن معيار الاستطالة لا يتيح إمكانية رؤية الهلال إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أكبر من 6 درجات. إذاً ما الطريقة لمعرفة إمكانية رؤية بشكل دقيق؟ إن الحسابات الفلكية قادرة على حساب إمكانية رؤية الهلال بدقة لمئات أو حتى آلاف السنين السابقة أو اللاحقة. وهناك الكثير من الأبحاث التي عالجت موضوع حساب إمكانية رؤية الهلال بشكل مفصل، فيمكن الرجوع لهذه الأبحاث لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال. ومن الدول الإسلامية التي تعد تقاويمها بناء على حساب إمكانية رؤية الهلال هي تركيا وإيران وسلطنة عمان والأردن والجزائر والمغرب. معيار عمر القمر يستخدم من قبل عامة الناس، لأنه الأكثر سهولة عندهم لكن الرؤية لا تعتمد علمياً على عمر القمر لوحده فقط.



المشروع الإسلامي لرصد الأهلة:

أسست الجمعية الفلكية الأردنية بالتعاون مع الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك عام 1998م المشروع الإسلامي لرصد الأهلة، وهو مشروع يتكون من شبكة من الراصدين يزيد عددهم حالياً على 150 راصداً منتشرين في مختلف دول العالم امتداداً من أندونيسيا وحتى الولايات المتحدة يقومون برصد الهلال شهرياً وتنتشر نتائج رصدهم. ويمكن لزائر هذا الموقع الاطلاع على نتائج رصد الهلال لجميع الأشهر القمرية منذ عام 1998م وحتى الآن.

الهلال لمعرفة المواقيت وليست المحاق:

إن لحظة تولد الهلال هي اللحظة التي يصبح فيها القمر في طور المحاق وليس في طور الهلال، ويحتاج القمر بعد المحاق إلى فترة زمنية تختلف من شهر لآخر حتى ينتقل من طور المحاق إلى طور الهلال. فتولد الهلال والمحاق والاقتران والاستسرار كلها مترادفات لمعنى واحد. ولما كنا مأمورين شرعاً باعتماد الهلال لمعرفة المواقيت وليس المحاق، فإنه ينبغي للجهات المسؤولة عن إعداد التقاويم أو تحديد بدايات الأشهر القمرية في الدول الإسلامية اعتماد معيار يأخذ إمكانية رؤية الهلال بعين الاعتبار. كما أن لجوء البعض إلى اعتماد معيار عمر القمر أو مكث القمر لمعرفة إمكانية رؤية الهلال لن يعطي نتائج دقيقة. ويمكن اعتماد معيار الاستطالة كحد فاصل لرد شهادة الشهود برؤية الهلال إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أقل من 6 درجات. يبقى موضوع جواز اعتماد الحسابات الفلكية أو عدم جوازها لتحديد بدايات الأشهر القمرية بحاجة لإجابات تفصيلية وواضحة من الفقهاء، وعلى الفلكيين والفقهاء العمل معاً لضمان صحة تحديد بدايات الأشهر في مختلف الدول الإسلامية.





 
https://www.eajaz.org//index.php/component/content/article/83-Twenty-fifth-issue/866-The-difference-between-the-birth-of-the-moon-and-appears-scientifically