تسونامي ... عذاب أم تحذير؟! | العدد الواحد والعشرون
تسونامي ... عذاب أم تحذير؟!
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



تسونامي ... عذاب أم تحذير؟!

 

معالي أ.د.غازي بن عبيد مدني

 نشرت جريدة المدينة يوم الجمعة 8/2/1426هـ أن العلماء أفادوا أن (تسونامي) أدى إلى تحرك الهند نحو إندونيسيا بمقدار 12 سم. بعض الجزر الأخرى أيضاً تحركت واختفت جزر صغيرة، وذلك بتأثير تسونامي واحد فقط.

الخبر أعلاه هو نتيجة للموجة البحرية الهائلة التي حدثت في المحيط الهندي بين إندونيسيا والهند، وأدى إلى دمار كبير شمل عدداً من الدول، قتل أكثر من مائة وخمسين ألف وشرد مئات الآلاف، وبلغت تكلفة الدمار الملايين من الدولارات.

على إثر ذلك صرح بعض السادة العلماء أن ذلك المد البحري هو في واقعه عذاب من الله، وصرح بعضهم أنه كان إنذاراً من الله ـ سبحانه وتعالى.

فيما يلي محاولة للإجابة على السؤال، هل تسونامي عذاب أم إنذار؟

يقول الله سبحانه وتعالى: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإذَا هِيَ تَمُورُ) (الملك: 16)

ويقول سبحانه وتعالى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) (الطور: 9)

الله سبحانه وتعالى خلق الكون منذ أمد بعيد، هكذا نؤمن نحن معشر المسلمين وليس كما يدعي السفهاء أن الكون وجد (صدفة) وهو أمر غريب وشاذ أن يقوله من حباه الله عقلاً يفكر به، خاصة إن كان يدين بدين سماوي.

الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق الكون بعلم فهو سبحانه العليم، هو العلم كله، وخلق للكون قوانين وأنظمة تُسِّيره وحيث إن الله سبحانه هو أحسن الخالقين فإن خلقه يأتي كاملاً، كذلك القوانين العلمية كاملة غير منقوصة وغير قابلة للفشل، وحينما يقول سبحانه وتعالى: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) (الرحمن: 5)،  فإن هذا يعني أن الشمس والقمر منذ أن خلقا فإن حركتهما لم تتغير قيد أنملة. ببساطة لأنهما لا يملكان إلا الخضوع للقانون الذي خلقه تجلت قدرته، وقد عرف الإنسان هذه الحقيقة منذ سنين عبر رصده لحركة الشمس والقمر، وأصبح يسجل التاريخ بهذه الحركة لأن الحركة هذه تحدد تعاقب الليل والنهار، وتعاقب الشتاء والصيف.

والله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق تحت السماوات خلقاً كثيراً منها أعداداً كبيرة من مخلوقات عظيمة الحجم والشأن يطلق عليها (المجرَّات) وكل مجرّة تتكون من عدد كبير من النجوم والكواكب والأجرام، بعض المجرَّات تضم كواكب وشموس وأرضين الواحد منها حجمه مرات عديدة حجم الكرة الأرضية.

كل ذلك يسير بدقة متناهية، وكلٌ في موقع واضح ودقيق، يرتبط بعضها ببعض بدقة تفوق قدرة العقل البشري، يقول سبحانه وتعالى: (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) (الواقعة 75، 76). وقد بدأ الإنسان يعرف عظم هذا القسم بعد أن اكتشف بعضاً من المجرَّة التي هي جزء منها وهي مجرَّة (التبّانة). وعرف أن بها آلاف الكواكب والأجرام، وكلُ في موقع دقيق داخل المجرة، كما تم تنظيم المجرَّات وتحديد مواقعها مع بعضها البعض تعجز أعظم الحاسبات الإلكترونية الموجودة حالياً عن الإتيان بمثل هذا التنظيم.

خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الشموس والأراضين والمجرات العظيمة الحجم، وبجانب هذه المخلوقات العظيمة خلق الله سبحانه مخلوقات دقيقة الحجم لا ترى بالعين المجردة بل تحتاج إلى مكبر قوي كي ترى بوساطته، فهو يكبرها عشرات ومئات المرات حتى يمكن أن تدركها العين. يتحكم في تنظيم هذه المخلوقات الدقيقة سنن وقوانين بنفس المنطق الذي تسير به الأجرام والمجرات. والله سبحانه خلق الإنسان وكرمه على كثير من الخلق، والإنسان المخلوق الوحيد الذي سجد له الملائكة وهو أيضاً المخلوق الذي أعطي حق الاختيار، هذا الإنسان لا يتحكم في جسمه، بل إن جميع أعضاء جسمه تعمل بانضباط عظيم، تبدو كأنها تعمل بنفسها دون أي تدخل، وهي في الواقع تعمل بقانون إلهي عظيم. الإنسان بين فينة وأخرى يكتشف أجزاء من هذا القانون فيتعلم كيف يتعامل مع جسمه.

الأمثلة الذي ذكرت آنفاً توضح لنا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الخالق وأن المخلوق لا يستطيع أن يخلق ولا حتى ذباباً، وأنه سبحانه وهو العليم فكل الخلق وما ينتظم الخلق هو علم جزء من علمه سبحانه فهو العلم كاملاً. ونحن معشر البشر لسنا إلا مخلوقات صغيرة تعيش على كوكب صغير ويوجد في الكون ملايين الكواكب والنجوم والأقمار، هذه الأرض في مجرة واحدة يوجد غيرها ملايين، بعض النجوم وبعض المجرات أكبر بآلاف المرات. فهم هذه الحقيقة مهم جداً لأنه يؤدي إلى الإيمان بالله ـ سبحانه وتعالى ـ إيماناً ومطلقاً، وأيضاً إيماناً مطلقاً بقوانينه. والله سبحانه يحث الإنسان على أن يبحث ويتعلم ويكتشف القوانين والأنظمة التي أوجدها.

إذا أدركنا هذا كله فلابد وأن نخاف الله سبحانه ونخشاه. فنحن ليس في مقدورنا معرفة كل وجميع القوانين والأنظمة، وكان رسولنا رسول الهداية سيدنا محمد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ إذا رأى سحاباً يقول: (اللهم حولينا لا علينا اللهم على الآكام والظراب وبطن الأودية ومنابت الشجر) وذلك ليس عدم رغبة في المطر، فالمطر خير ولكن الخوف مما يخبئه السحاب، وقد حدث لقوم عاد أن فرحوا لرؤية السحاب الكثيف الذي أتاهم عارضاً أوديتهم بعد فترة جفاف، وقد كان في ذلك السحاب عذاب شديد، وقد خيل لهم أنه سحاب بينما كان ريحاً عاتية، السحاب الذي هو خير وبركة هو أيضاً قد يكون عذاباً شديداً. نعوذ بالله أن يحيق بنا عذابه.

ما سبق ينير أمامنا الطريق لكي نرى أن ما أحدثه الزلزال البحري من الموج المدمر الذي يسميه اليابانيون (تسونامي) هو آية من آيات الله ـ إحدى سننه وقوانينه ـ سبحانه وتعالى، مثله مثل غيره من آلاف الآيات والقوانين التي تنتظم الخلق.

أثبت البحث العلمي ورصد الأحداث أن (تسونامي) ليس مجرد حدث يحدث مرة واحدة فقط، بل هو يتكرر كثيراً وبنفس القانون، هكذا قال اليابانيون وهم الذين يهاجمهم هذا النوع من الموج البحري الهائل بين كل فترة وأخرى.

يقول الله سبحانه وتعالى: (أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإذَا هِيَ تَمُورُ) (الملك: 16) ، (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا) (الطور: 9) كلمة تمور وردت مرتان في القرآن الكريم، في سورة الملك وفي سورة الطور. تفسير الجلالين يشرح تمور بقوله: تتحرك بكم وترتفع فوقكم، وتتحرك وتدور. ويقول الدكتور محمد حسن الحمصي في تفسير وبيان القرآن الكريم، تمور: تحرك وتضطرب وتدور كالرهى وتتشقق. ويقول الدكتور زغلول النجار: المعنى الصحيح لكلمة تمور هو عملية حدوث تسونامي كما سنشرحه لاحقاً.

إن الذي حدث هو خسف في قاع البحر نتيجة احتكاك الصفائح الموجودة في باطن الأرض، الخسف البحري العظيم يسحب مياه المحيط إلى جوف الأرض ثم يدفعه من جديد فيندفع الماء إلى أعلى محدثاً موجات عالية قد يبلغ ارتفاعها أربعون متراً، تتحرك بسرعة كبيرة تبلغ أحياناً ثمانمائة ميل في الساعة، أي سرعة طائرة جامبو 747. هذه الموجة العاتية تتجه نحو الشواطئ فتضربها بتلك السرعة العظيمة مسببة الكثير من الدمار والخراب والأهم من ذلك الكثير من القتلى.هكذا فإن (تسونامي) حدث يمكن تفسيره علمياً أو على الأصح أن الإنسان اكتشف هذه حيث استطاع بما حباه الله من علم قليل منهم ومن ثم تفسير الحدث علمياً، وبدأ يفهم (قانون) تسونامي. ولكن الذي عرفه ـ حتى الآن ـ هو جزء من القانون، وإلى أن يمن الله عليه ويعرف أي يكتشف كامل القانون وإلى أن يتم ذلك فإن الإنسان لا يستطيع السيطرة على القانون وبالتالي يحمي نفسه منه أو يستخدمه لصالحه. إن (تسونامي) الذي نتحدث عنه هو حدث مخيف بالمقياس البشري وهو في نفس الوقت آية من آيات الله، أحد قوانينه يُظهر بها عظمته وعلمه، ويسير بها كونه، يخوف بها عباده ويعذبهم بها. إن حدث يجعل الإنسان يوقن أن هذا الحدث من العظمة بحيث لا تكون مرجعيته إلا إلى الخالق الجبار تجلت قدرته وعظمته سبحانه وتعالى.

تسونامي آية عذاب أم آية إنذار وتخويف؟!

(تسونامي) لا شك في أنه آية من آيات الله مثله مثل الكسوف والخسوف، والرعد والبرق ـ وغيرها كثير ـ هي سنن الله في كونه، أي هي قوانين تنظم إدارة خلق الله وكل الذي في الكون هو خلقه سبحانه.

اكتشف الإنسان ـ بالمراقبة والرصد والتحليل العلمي ـ كيف يعمل قانون هذه الآية ـ أي تسونامي ـ ولكن لم يعرف بعد لماذا تحدث هذه الآية؟ وأيضاً لماذا تحدث على درجات متفاوتة؟

فيحدث تسونامي مدمر كهذا الذي نتحدث عنه، أو يحدث تسونامي أقل عنفاً وتدميراً كما سجل اليابانيون.

الذي أوردناه آنفاً يؤكد أن الإنسان لا يعرف على وجه الدقة إن كان (الحدث) هو مجرد (إنذار) لكي يتوب الناس إلى رشدهم، أم هو عذاب حقيقي يصيب مجموعة من الناس.

لذلك قد يكون من التسرع أن تصنف الآيات على أنها آيات عذاب أو أنها آيات إنذار، الله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وقوانينه، جهل الإنسان وقلة علمه، (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء: 85)  يجعلنا نتوخى الحذر في الحكم ونخوض في آيات الله سبحانه وقوانينه. خاصة وأن (تسونامي) هذا الذي نتحدث عنه تسبب في قتل عدد كبير من الأطفال بلغ عشرات الآلاف، وذكرت الصحف أن معظم الأطفال كانوا أطفالاً مسلمين.

هنا لابد وأن نشير إلى أن الأسباب الذي ذكرها الله سبحانه في إبادة وعذاب أقوام، تلكم الأسباب والأفعال عادت لتظهر في عصرنا الحاضر، مثلاً: قوم لوط والذي فعلوه من الفحش الذي أدى إلى عذابهم وإبادتهم، نجد أن بعض المجتمعات ـ في العصر الحاضر ـ يقنن هذا الفعل الفاحش ويعتبرونه حرية يمارسها الشواذ المنحرفون. لا شك أن هؤلاء ينتظرون غضبه وعذابه، ولكن من يعلم متى؟ وكيف؟ وبأي قانون يوقع عذابه.

لذلك يمكن القول إن بعض آيات الله تخيفي البشر وهي تحذير وإنذار لمن يتعظ، وفي نفس الوقت فإن بعضها قد يكون عقاباً صارماً ماحقاً. لمن لم يتعظ ولم يفهم التحذير.

وحيث إن الإنسان لم يبلغ درجة من العلم تمكنه من الحكم (الحدث) لذلك نذهب إلى أن الآية قد تكون إنذاراً وتحذيراً، وقد تكون عقاباً وعذاباً.. والله أعلم.

 اللهم إن نسألك أن تلطف بنا وأن ترحمنا وأن تهدنا إلى دينك الحق دين الإسلام وعلى هدى نبيك سيدنا محمد ـ عليه أفضل الصلاة والسلام ـ وألا تؤاخذنا بما يفعل السفهاء منا.