النوع ودلالته في القرآن الكريم | العدد السادس
النوع ودلالته في القرآن الكريم
صيغة PDF طباعة أرسل لصديقك



الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة - مكة المكرمة

النوع ودلالته في القرآن الكريم

د. الصديق محمد بابكر
قسم علم الحيوان, كلية العلوم, جامعة الخرطوم

أدى تنوع الكائنات الحية وكثرة أعدادها واختلاف بيئاتها وأنماط غذائها وسلوكها, إلى جذب اهتمام العلماء والمختصين, بفكرة تقسيمها إلى مجموعات تصنيفية حتى تسهل دراستها ويتم تبادل المعلومات المتعلقة بها.

وأول من حاول التصنيف هو العالم أرسطو وكان في القرن الرابع قبل الميلاد (322- 384

) حيث بنى تقسيمه للحيوانات على الاختلاف والتشابه فيما بينها في الصفات العامة؛ فميز بين ذات الدم وعديمة الدم, وبين التي تلد والتي تبيض وهكذا. وعند التطبيق, اتضحت بدائية هذا التصنيف وعدم وفائه بالغرض المطلوب. وتواصلت جهود المهتمين بالتصنيف بعد ذلك ونلاحظ أن العالم الإنجليزي جون راي كان رائد التعريف بالنوع ثم نشطت جهود العاملين في التصنيف حتى توجت بجهود العالم السويدي كارل لينيوس في القرن الثامن عشر الميلادي (

1707 - 1778

), وهو الذي جاء بنظام التسمية الثنائية للنوع, حيث اعتمد فيه على التشابه الشكلي والتشريحي بين أفراد المجموعات المختلفة للنوع, وهو النظام المتبع في وقتنا الحاضر, ومن مزاياه أنه تلافى القصور الذي ظهر في جهود العالم الإنجليزي جون راي في القرن السابع عشر الميلادي (

1627 - 1705

) والذي يرجع إليه الفضل في تعريف النوع.


إن أهم ما يميز النوع بجانب تشابه أفراده في الشكل, والتشريح, وتساوي عدد كروموزومات خلاياها الجسدية, هو خصوبة أجياله التي تنتجها أفراده بميلها الطبيعي للتزاوج فيما بينها (راجع: علم الحيوان العام ص 152) وهذه الميزة هي التي تفضي لتكاثر النوع, ومن ثم حفظه وبقائه بين بقية الأنواع التي تعيش معه في الحيز البيئي الواحد. وقد تأكدت صحة هذا المفهوم للنوع بتزاوج نوعين مختلفين لجنس واحد؛ هما الحصان والحمار, وكان نتاج تزاوجهما حيوان البغل الذي يحمل خصائص كليهما, ولكنه يفتقد الخصوبة والقدرة على الإنجاب.

هذا المعنى البيولوجي للنوع يمكن الوقوف عليه في سياق هذا التوجيه الرباني لسيدنا نوح ـ عليه السلام ـ عندما حل بقومه الطوفان وطلب إليه ربه حمل اثنين من كل نوع في سفينته: (حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التّنّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ )(

سورة هود الآية 40.

), وكلمة (

من كل

), ترمز لعدة أنواع كل منها قد يكون من عدد كبير من الأفراد ويشتمل على الذكور والإناث, والمطلوب كما جاء في الآية أن يحمل زوجين؛ أي فردين يزاوج كل منهما الآخر, وهما الذكر والأنثى من كل نوع؛ لأن عدد الأنواع كبير, وربما كان عدد أفراد النوع الواحد أكبر من أن تحمله السفينة, ولذلك كان التوجيه الإلهي بحمل الزوجين الذكر والأنثى, بقصد تكاثر وحفظ نوع الكائنات الحية وبقائها بإذن الله. وهذا يؤكد خاصية النوع التكاثرية.


وقد جاء في مختصر ابن كثير في تفسير الآية 27 من سورة المؤمنون التي تحمل معنى الآية 40 من سورة هود ما يأتي: «أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين, أي ذكرًا وأنثى من كل صنف من الحيوانات والنباتات والثمار, وغير ذلك»انظر تفسير ابن كثير جـ 3 ص 54.. وآية أخرى تشير لنفس المعنى وذلك في قوله تعالى: (وَهُوَ الّذِي مَدّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي الْلّيْلَ النّهَارَ إِنّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ) سورة الرعد الآية 3., وكلمة الثمرات تشير للأصناف العديدة المتعددة؛ في أكلها وألوانها وطعومها وروائحها, وكلمة زوجين اثنين تعني الذكر والأنثى لكل نوع, ويتطلب التكاثر فيها في حالة النباتات وصول حبوب اللقاح من المياتك الذكرية إلى المياسم الأنثوية, وقد ورد في صفوة التفاسير شرح (من كل الثمرات ) الواردة في الآية, بأنه من جميع أنواع الثمرات جعل زوجين, ذكرًا وأنثى, ليتم بينهم أسباب الإخصاب والتكاثر طبقا لسنة الله الحكيمة. وفي آية أخرى: (هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَماّ تَغَشّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرّتْ بِهِ فَلَمّآ أَثْقَلَتْ دّعَوَا اللّهَ رَبّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لّنَكُونَنّ مِنَ الشّاكِرِينَ ) (سورة الأعراف الآية 189(؛ فإن كلمة (نفس) جاءت في التفسير لتعني سيدنا آدم, ومن نفسه أي الذكر تم خلق زوجها أي حواء, وهي الأنثى الشق الثاني للذكر, والتي لها القدرة على الإنجاب بدليل كلمة (حملا) وهذا الأخير لا يتأتى إلا بالتزاوج, ومحصلة التزاوج هو مجموع البشر الذين ينتمون لنوع واحد مكون من الذكور والإناث, وبفضل الخصوبة والإنجاب التي ينفرد بها النوع تم الحفاظ ـ بإذن الله ـ على نوع الإنسان. وفي آية أخرى:(وَهُوَ الّذِيَ أَنشَأَكُم مّن نّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصّلْنَا الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ )(سورة الأنعام الآية 97 ) نجد كلمة أنشأكم في اللغة دليلٌ على الإيجاد والوجود وإشارة للتناسل, وفي تفسير الطبري (الذي أنشأكم ) يعني الذي ابتدأ خلقكم من غير شيء فأوجدكم, و(من نفسٍ واحدةٍ ) يعني آدم ـ عليه السلام ـ وكلمة نفس تعني في اللغة كما ورد في مختار الصحاح الجسد, كما تعني الشيء نفسه أي عينه. وفي قوله تعالى: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مّنَ الطّيّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ )(سورة النحل الآية 72 ), فإن كلمة أنفسكم يمكن أن تشير لمجموع النوع الذي يشتمل على الذكور والإناث, التي تتزاوج في مجموعات من ذكر وأنثى, وقد أحل الله للمسلم أن تكون له أربع زوجات, مع مراعاة العدل في المعاشرة والمعاش ـ كشرط أساسي ـ كما يمكن أن تشير كلمة (أنفسكم ) الواردة في الآية المذكورة لمعنى الذكور وكلمة (أزواجا ) بمثابة الزوجات أو الإناث؛ تأتي الأجيال من البنين والحفدة, ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى, أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مّن مّنِيّ يُمْنَىَ,ثُمّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوّىَ, فَجَعَلَ مِنْهُ الزّوْجَيْنِ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ )(سورة القيامة الآيات 36 ـ 39 ).


مما ورد ذكره يتضح أن الدلالة على النوع تكمن في توفر خاصتي الخصوبة والتكاثر, وهو ما سبق الذكر إليه في كتاب الله قبل أن يهتدي العلماء لاحقًا إليه بالملاحظة والمقارنة وسط أعداد هائلة من الكائنات الحية.

المراجع:

ـ القرآن الكريم

ـ ابن كثير, الحافظ أبي الفداء إسماعيل: مختصر تفسير ابن كثير, اختصار الشيخ محمد كريم راجح ـ دار المعرفة, بيروت, المجلد الثاني, 1995, ص 108.

ـ ابن منظور, أبو الفضل جمال الدين بن محمد بن مكرم المصري: لسان العرب, دار صادر, للطباعة والنشر, بيروت المجلد الأول.

ـ الرازي, محمد بن أبي بكر عبد القادر : مختار الصحاح, دار الحديث القاهرة, ص. 672.

ـ الصابوني, محمد علي: صفوة التفاسير, القسم السادس, تفسير سور؛ يوسف, الرعد, إبراهيم, ص. 40.

ـ الطبري, أبو جعفر بن جرير: جامع البيان عن تأويل القرآن. شركة ومطبعة مصطفى الحلبي, الجزء السابع, الطبعة الثانية, 1373هـ, ص. 286.

ـ خليل فؤاد, وآخرون: علم الحيوان العام. دار المعارف, الطبعة العاشرة, 1986, ص. 152.